للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: قد ذكرت فيما مضى أن قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} (١) أن أحد التأويلات فيه تحتمل جواز أخذ المال من غير رضي القاتل، فيعمل بذلك التأويل.

قلت: لما كثرت التأويلات في الآية المذكورة صارت مثل المتشابه؛ لكونها مشتركة محتملة للمعاني، ومعلوم أن قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} (١) بحكم ظاهر المعنى بين المراد، لا اشتراك في لفظه، ولا احتمال في تأويله، وحكم المتشابه أن يحمل على المعنى المحكم ويرد إليه بقوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} (٢) إلى قوله: {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (٢) فأمر الله -عز وجل- برد المتشابه إلى المحكم؛ لأن وصفه بالمحكم بأنه أم الكتاب يقتضي أن يكون غيره محمولًا عليه، ومعناه معطوفًا عليه؛ إذ كان أم الشيء ما منه ابتداؤه وإليه مرجعه، ثم ذم من اتبع المتشابه واكتفى بما احتمله اللفظ من تأويله، غير رد له إلى المحكم، وحمله على موافقته في معناه، وحكم عليهم بالزيغ في قلوبهم.

وإذا ثبت هذا، أو ثبت أن قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} (١) محكم، وقوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} (١) متشابه، وجب حمل معناه على معنى المحكم من غير مخالفة له ولا إزالة لشيء من حكمه، وهو أن يكون على الوجه الذي ذكرنا من التأويلات وهو وجوب القصاص من غير معنى آخر يُضَم إليه، ولا عدول عنه إلى غيره.

قوله: "إذًا لخيرها" أي حينئذٍ لخير رسول الله -عليه السلام- المنزوعة ثنيتها.

قوله: "ألا ترى. . . . إلى آخره" توضيح لما قبله.

قوله: "ورسول الله -عليه السلام- أحكم الحكماء". بمعنى أحكم الناس الحاكمين وأدراهم بالحكم.


(١) سورة البقرة، آية: [١٧٨].
(٢) سورة آل عمران، آية: [٧].

<<  <  ج: ص:  >  >>