والحكماء: جمع حكيم، وليس جمع حاكم، ولم يقل: أحكم الحاكمين -وإن كان المعنى على هذا- تأدبًا؛ لأن أحكم الحاكمين هو الله تعالى.
قوله:"فلما ثبت هذا الحديث". يعني حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وجب أن يُعطف عليه بمعنىً يُضَم إليه ويقرن بينه، وبين حديثي أبي شريح الخزاعي وأبي هريرة لتتفق معاني الأحاديث ولا تختلف.
ص: فإن قال قائل: فإن النظر يدل على ما قال أهل المقالة الأولى، وذلك أن على الناس أن يستحيوا أنفسهم، فإذا قال الذي له سفك الدم: قد رضيت بأخذ الدية وتركت سفك الدم؛ وجب على القاتل استحياء نفسه، فإذا وجب ذلك عليه؛ أُخِذَ من ماله وإن كره، فالحجة عليه في ذلك أن على الناس استحياء أنفسهم -كما ذكر- بالدية، وبما جاوز الدية وبجميع ما يملكون.
وقد رأيناهم أجمعوا أن الولي لو قال للقاتل: قد رضيت أن آخذ دارك هذه على ألا أقتلك، أن الواجب على القاتل فيما بينه وبين الله -عز وجل- تسليم ذلك وحقن دم نفسه، فإن أبى، لم يجبر عليه باتفاقهم، ولم يؤخذ منه كرهًا فَيُدْفع إلى الولي، فكذلك الدية إذا طلبها الولي فإنه يجب على القاتل فيما بينه وبين ربه أن يستحيي نفسه بها، وإن أبى لم يجبر عليه، ولم يؤخذ منه كرهًا.
ش: تقرير السؤال أن يقال: إن وجه النظر والقياس يقتضي صحة ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى؛ وذلك لأنه يجب على الناس أن يستحيوا أنفسهم، يعني يجب عليهم أن يسعوا في إبقاء أنفسهم وإحيائها، فإذا قال الولي الذي له سفك دم القاتل فقد رضيت بأخذ المال وتركت سفك الدم، وجب على القاتل إحياء نفسه وإبقاؤها، فإذا كان هذا واجبًا عليه، يؤخذ منه المال رضي أم لم يرض.
وتقرير الجواب: هو ما أشار إليه بقوله: "فالحجة عليه في ذلك". أي فالدليل والبرهان على هذا القائل فيما قاله.