قال أبو محمد: إن لم يمت ترك كما هو حتى يموت، لا يطعم ولا يسقى، وكذلك إن قتله جوعًا أو عطشًا؛ عُطِّش أو جُوِّع حتى يموت ولابُدَّ، ولا تراعى المدة أصلًا.
وقال ابن شبرمة: إن غمسه في الماء حتى مات، غمسه حتى يموت، وإن ضربه ضربًا، ضربه مثل ضربه لا أكثر من ذلك.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: كل من وجب عليه القود لم يقتل إلا بالسيف.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عامرًا الشعبي، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وسفيان الثوري، وأبا حنيفة، وأبا يوسف ومحمدًا -رحمهم الله- فإنهم قالوا: لا يقتل القاتل في جميع الصور إلا بالسيف.
قال ابن حزم: وهو قول أبي سليمان، وظاهر ما روينا عن الشعبي والحسن: إيجاب القود بالسيف والرمح والسكين والمطرقة.
ص: وقالوا: هذا الحديث الذي رويتموه يحتمل أن يكون النبي -عليه السلام- رأى أن ذلك القاتل يجب قتله لله إذْ كان إنما قتل على مال، قد بيّن ذلك في بعض الحديث.
حدثنا إبراهيم بن أبي داود، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، عن شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك، قال:"عدى يهودي في عهد رسول الله -عليه السلام- على جارية فأخذ أوضاحًا كانت عليها، ورضخ رأسها، فأتى بها أهلُها رسولَ الله -عليه السلام- وهي في آخر رمق، وقد أصمتت، فقال لها رسول الله -عليه السلام-: من قتلك، أفلان -لغير الذي قتلها-؟ فأشارت برأسها أن لا، فقال: فلان -لقاتلها-؟ فأشارت برأسها: أن نعم، فأمر به رسول الله -عليه السلام- فرضَّ رأسه بين حجرين".
فإن كان رسول الله -عليه السلام- جعل دم ذلك اليهودي قد وجب لله -عز وجل- كما يجب دم قاطع الطريق لله تعالى، فكان له أن يقتله كيف شاء بسيف أو بغير ذلك، والمثلة حينئذٍ مباحة كما فعل رسول الله -عليه السلام- بالعرنيين.