ش: أي قال الآخرون: هذا الحديث يحتمل وجوهًا، فلا يتم بها استدلالهم لما ذهبوا إليه:
الأول: أنه يحتمل أن يكون النبي -عليه السلام- رأى قتل هذا اليهودي حقًا لله تعالى؛ وذلك لأنه إنما قتل تلك الجارية أو الصبي -على اختلاف الرواية- لأجل مالها كما بين ذلك في حديث آخر لأنس - رضي الله عنه - حيث قال:"فأخذ أوضاحًا كانت عليها ورضخ رأسها" فصار حكمه حكم قاطع الطريق؛ لأن سفك دمه يجب لله تعالى، فكان له أن يقتله كيف شاء بسيف وغيره، وكانت المثلة أيضًا مباحةً في ذلك الوقت، كما فعل ذلك (١) بالعرنيين: "لما قتلوا راعي النبي -عليه السلام-، واستاقوا إبله، فبعث وراءهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وتركهم حتى ماتوا" ولما نهى رسول الله -عليه السلام- عن المثلة بعد ذلك وانتسخ حكمها نسخ ذلك الحكم الذي حكم به في اليهودي بانتساخ المثلة، وهذا الذي ذكره الطحاوي -رحمه الله-.
الثاني: يحتمل أن يكون النبي -عليه السلام- رأى ذلك واجبًا لأولياء الجارية بقتله لهم، ولم يكن ذلك حقًّا لله تعالى.
الثالث: يحتمل أن يكون -عليه السلام- قتله كما فعل؛ لأن الذي وجب عليه كان يقتضي ذلك بأن كان نقض العهد ولحق بدار الحرب لقرب محال اليهود من المدينة، فأخذه بعد ذلك فقتله على أنه حربي ناقض للعهد متهم بقتل الصبي؛ لأنه لا يجوز أن يكون بإيماء الصبية وإشارتها أنه قتلها؛ لأن ذلك لا يوجب قتل المدعى عليه القتل عند الجميع، فلا محالة قد كان هناك سبب آخر استحق به القتل لم ينقله الراوي على جهته.
الرابع: أن يكون أولياؤها قد اختاروا الرضخ؛ لكون الواجب سفك دمه بأيٍّ ما شاءوا، ففعل رسول الله -عليه السلام- ما فعله لأجل ذلك.
فإذا كان هذا الحديث محتملًا هذه الوجوه؛ لم يكن الاستدلال به في أن يقتل
(١) حديث العرنين مشهور، وهو متفق عليه، وسيأتي تخريجه عن قريب إن شاء الله.