تعالى، وإلى هذا أشار الطحاوي بقوله: فكان من حجة الذين قالوا: "إن القتل بالحجر لا يوجب القود. . . ." إلى آخره على ما يجيء عن قريب إن شاء الله تعالى.
ص: فإن قال قائل: فإنك قد قلت: إن حديث أنس هذا منسوخ في الباب الأول، فكيف أثبت العمل به؟
قيل له: لم نقل: إن حديث أنس هذا منسوخ من جهة ما ذكرت، وقد ثبت وجوب القود في القتل بالحجر في حديث أنس، وإنما قلت: إن القصاص بالحجر قد يجوز أن يكون منسوخًا لما قد ذكرت من الحجة في ذلك، فحديث أنس في إيجاب القود عندنا غير منسوخ، وفي كيفية القود الواجب به يحتمل أن يكون منسوخًا على ما فسرنا وثبتنا في الباب الذي قبل هذا الباب.
ش: تقرير السؤال أن يقال: إنك قد قلت في الباب السابق: إن حديث أنس منسوخ، والمنسوخ لا يبقى له حكم، فكيف تقول في هذا الباب: إنه معمول به؟! وحاصل الجواب: أن حديث أنس له جهتان: جهة النسخ، وجهة الثبوت: أما جهة الثبوت فهو وجوب القود في القتل بالحجر.
وأما جهة النسخ فهي في كيفية القود الواجب به، ونحن لم نقل إنه منسوخ إلا من الجهة الثانية على ما مَرَّ مستقصٍ في الباب السابق.
ص: فكان من حجة الدين قالوا: إن القتل بالحجر لا يوجب القود في دفع حديث أنس: أنه قد يحتمل أن يكون ما أوجب النبي -عليه السلام- من القتل في ذلك عليه حقًّا لله -عز وجل-، وجعل اليهودي كقاطع الطريق الذي يكون ما وجب عليه حدًّا من حدود الله -عز وجل-، فإن كان ذلك كذلك؛ فإن قاطع الطريق إذا قتل بحجر أو بعصا وجب عليه القتل في قول الذين قالوا إنه لا قود على من قتل بعصا، وقد قال بهذا القول جماعة من أهل النظر.
وقد قال أبو حنيفة - رضي الله عنه - في الخناق أن عليه الدية، وأنه لا يقتل إلا أن يفعل ذلك غير مرة فيقتل، ويكون ذلك حدًّا من حدود الله -عز وجل-، فقد يجوز أن يكون