النبي -عليه السلام- قتل اليهودي على ما في حديث أنس؛ لأنه وجب عليه القتل لله -عز وجل- كما يجب على قاطع الطريق، فإن كان ذلك كذلك فإن أبا حنيفة -رحمه الله- يقول: كل من قطع الطريق فقتل بعصًا أو حجر، أو فعل ذلك في المصر يكون حكمه فيما فعل حكم قاطع الطريق، وكذلك الخناق الذي فعل ذلك غير مرة أنه يقتل، وقد كان ينبغي في القياس على قوله أن يكون يجب على من فعل ذلك مرةً واحدةً القتل، ويكون ذلك حدًّا من حدود الله -عز وجل-، كما يجب إذا فعله مرارًا؛ لأنا رأينا الحدود يوجبها انتهاك الحرمة مرة واحدةً، ثم لا يجب على من انتهك تلك الحرمة ثانية إلا ما كان وجب عليه في انتهاكها في البدء، فكان النظر فيما وصفنا أن يكون الخناق كذلك أيضًا، وأن يكون حكمه في أول مرة هو حكمه في آخر مرة.
هذا هو النظر في هذا الباب، وفي ثبوت ما ذكرنا ما يدفع أن يكون في حديث أنس حجةً على مَن يقول: من قتل رجلًا بحجر فلا قود عليه.
ش: لما قال أهل المقالة الثانية لأهل المقالة الأولى: أنتم محجوجون بحديث أنس المذكور في الباب السابق؛ أشار الطحاوي إلى الجواب عن ذلك بقوله: فكان من حجة الذين قالوا: إن القتل بالحجر لا يوجب القود في دفع حديث أنس، أي: فكان من دليلهم وبرهانهم في دفع هذا الاعتراض. وهو ظاهر.
قوله:"جماعة من أهل النظر" أي القياس.
قوله:"وقد قال أبو حنيفة. . . . إلى آخره" ذكره تفريعًا على ما قاله من جعل ذلك اليهودي كقاطع الطريق حتى قتل حدًّا لله تعالى، فكذلك أبو حنيفة جعل الخناق الذي يفعل الخنق غير مرة كقاطع الطريق، حيث يأمر بقتله حدًّا.
قوله:"وقد كان ينبغي في القياس على قوله" أي على قول أبي حنيفة، وهذا اعتراض على ما ذهب إليه أبو حنيفة حيث لم يوجب القود على الخناق في أول مرة حدًّا لله تعالى، وإنما أوجبه فيما إذا اعتاد ذلك، وبيَّن وجه الاعتراض بقوله:"لأنا رأينا الحدود. ." إلى آخره، وهو ظاهر.