ويمكن أن يجاب عنه بأن الخناق في أول مرة لا يعلم قصده إعدام المخنوق، فلا يجب فيه القود، كما إذا صاح على وجه إنسان فمات من صيحته، بخلاف ما إذا اعتاد الخنق فإنه يصير حينئذٍ طالبًا لإزهاق النفس فيجب عليه القصاص؛ ولأن قياس أبي حنيفة هاهنا وجوب الدية أيضًا, ولكنه لما ألحقه بقاطع الطريق أوجب فيه القصاص حقًّا لله تعالى، وعند أبي يوسف ومحمد: يجب القصاص في الخنق مطلقًا، وكذلك الخلاف بينهم إذا غَرَّقه بالماء أو ألقاه من جبل أو سطح فمات، لا قصاص فيه عند أبي حنيفة خلافًا لهما.
ص: وكان من حجة أبي حنيفة - رضي الله عنه - أيضًا في قوله هذا:
ما حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:"اقتتلت امرأتان من هذيل، فضربت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله -عليه السلام-، فقضى أن دية جنينها عبدًا أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معهم.
فقال حمل بن مالك بن النابغة الهذلي: يا رسول الله، أغرم مَن لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل؟! فمثل ذلك يُطَل، فقال رسول الله -عليه السلام-: هذا مِن إخوان الكهان، من أجل سجعه الذي سجعه".
وحدثنا الحسين بن نصر، قال: ثنا الفريايى، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيد بن نضلة الخزاعي، عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -: "أن امرأتين ضربت إحداهما الأخرى بعمود الفسطاط فقتلها، فقضى رسول الله -عليه السلام- بالدية على عصبة القاتلة وقضى فيما في بطنها بغرة، والغرة: عبد أو أمة، فقال الأعرابي: أغريم من لا طعم ولا شرب ولا صاح فاستهل ومثل ذلك يُطَل، فقال: سجع كسجع الأعراب".
حدثنا محمَّد بن خزيمة، قال: ثنا عبد الله بن رجاء، قال: أنا زائدة، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيد بن نضلة، عن المغيرة عن النبي -عليه السلام- مثله.