للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤمن بكافر ولا ذي عهد في عهده، فلما لم يكن لفظه كذلك، - صلى الله عليه وسلم - إنما هو: ولا ذو عهد في عهده علمنا أن ذا العهد هو المعني بالقصاص؛ فصار ذلك كقوله: "لا يُقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر"، وقد علمنا أن ذا العهد كافر، فدل هذا أن الكافر الذي نسخ النبي -عليه السلام- أن يقتل به المؤمن في هذا الحديث هو الكافر، الذي لا عهد له، فهذا مما لا اختلاف فيه بين المسلمين أن المؤمن لا يقتل بالكافر الحربي، وأن ذا العهد الكافر الذي قد صارت له ذمة لا يُقتل به أيضًا، وقد نجد مثل هذا كثيرًا في الكلام، قال الله -عز وجل-: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} (١) فقدَّم وأخَّر، فكذلك قوله: "لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده" إنما مراده فيه -والله أعلم- لا يُقتل مؤمن ولا ذو عهد في عهده بكافر، فقدم وأخر؛ فالكافر الذي منع - صلى الله عليه وسلم - أن يُقتل به المؤمن هو الكافر غير المعاهد.

ش: أي: وكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية فيما ذهبوا إليه: أن هذا الكلام -أعني قول علي - رضي الله عنه - الذي حكاه عنه أبو جحيفة السوائي: "وأن لا يقتل مسلم بكافر" لم يكن مفردًا يعني لم يكن كلامًا مستقلًا برأسه، وإنما كان معه كلام آخر، وهو الذي رواه قيس بن عباد والأشتر، فإن في روايتهما: "لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده" فهذا هو أصل الحديث وتمامه، وهذا الأولى على ما ذهب إليه أهل المقالة الأولى؛ لأن المعنى على أصل الحديث: لا يقتل مؤمن بسبب قتل كافر، ولا يقتل ذو عهد في عهده" بسبب قتل كافر، ومن المعلوم أن ذا العهد كافر، فدل هذا أن الكافر الذي منع النبي -عليه السلام- أن يُقتل به مؤمن -في الحديث المذكور- هو الكافر الذي لا عهد له، وهذا لا خلاف فيه لأحد أن المؤمن لا يُقتل بالكافر الحربي، ولا الكافر الذي له عهد يُقتل به أيضًا، فحاصل معنى الحديث -الذي رواه أبو جحيفة: لا يقتل مسلم ولا ذو عهد في عهده بكافر.


(١) سورة الطلاق، آية: [٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>