للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي "البدائع": واختلف المشايخ في جواز الاغتسال بنبيذ التمر على أصل أبي حنيفة، فقال بعضهم: يجوز لاستوائهما في المعنى.

ثم لا بد من تفسير نبيذ التمر الذي فيه الخلاف؛ وهو أن يُلْقَى في الماء شيء من التمر فتخرج حلاوته إلى الماء، وهكذا ذكر ابن مسعود - رضي الله عنه - في تصير النبيذ الذي توضأ به النبي - عليه السلام - فقال: "تميرات ألقيتها في الماء"، لأن من عادة العرب أنها تطرح التمر في الماء الملح ليحلو. فمادام رقيقا، حلوا أو قارصا، يُتَوَضأ به عند أبي حنيفة، وإن كان غليظا كالرُب، لا يجوز التوضؤ به، وكذا إذا كان رقيقا لكنه علا واشتد وقذف بالزبد؛ لأنه صار مسكرا، والمسكر حرام، فلا يجوز التوضؤ به؛ لأن النبيذ الذي توضأ به رسول الله - عليه السلام - كان رقيقا حلوا، فلا يلحق به الغليظ.

والنبيذ إذا كان نِيَّا (١) أو كان مطبوخا أدنى طبخة، فما دام قارصا أو حلوا، فهو على الخلاف. وإن علا واشتد وقذف بالزبد، ذكر القدوري في شرحه "مختصر الكرخي" الاختلاف فيه بين الكرخي وأبي طاهر الدباس: على قول الكرخي يجوز، وعلى قول أبي طاهر لا يجوز.

وذكر القاضي في شرحه "مختصر الطحاوي" وجعله على الاختلاف في شربه، فقال: على قول أبي حنيفة يجوز التوضؤ به كما يجوز شربه، وعند محمَّد لا يجوز كما لا يجوز شربه، وأبو يوسف فرق بين الوضوء والشرب فقال: يجوز شربه ولا يجوز التوضؤ به؛ لأنه لا يرى التوضؤ بالنبيذ الحلو، فبالمرّ المطبوخ أولى، وأما نبيذ الزبيب وسائر الأنبذة فلا يجوز الوضوء بها عند عامّة العلماء، وقال الأوزاعي: يجوز التوضؤ بالأنبذة كلها، نيَّا كان النبيذ أو مطبوخا، حلوا كان أو مرّا، قياسا على نبيذ التمر.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا: لا يتوضأ بنبيذ التمر، ومن لم يجد غيره تيمم ولم يتوضأ به، وممن ذهب إلى هذا القول أبو يوسف -رحمه الله-.


(١) نيًّا: -بكسر النون وتشديد الياء- أصلها: نيء، ومعنها -كما في "المصباح"- كل شيء شأنه أن يعالج بطبخ أو شيء، ولم ينضج، وانظر: "اللسان" أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>