ش: تقرير السؤال أن يقال: إن القياس الذي ذكرته قياس بالفارق، والدليل عليه: أنه قد فرق بين سرقة العبد من مولاه وبين قتله إياه، حيث لا يجب القطع في السرقة ويجب القصاص في القتل، فكذلك يُفرق بين مال الذمي ودمه، فيجب الضمان في ماله ولا يجب القصاص في دمه.
وهذا السؤال قريب من اعتراض ابن حزم الذي ذكرناه آنفًا، والجواب عنه ظاهر مبسوط.
قوله:"وقد أجمعوا أن ذميًّا. . . ." إلى آخره. حاصل ذلك أن أهل المقالة الأولى قد وافقوا أهل المقالة الثانية على أن ذميًّا لو قتل ذميًّا ثم أسلم فإنه لم يسقط عنه القود بإسلامه، فلو كان الإِسلام مانعًا من القصاص ابتداء لمنعه إذا طرأ بعد وجوبه قبل استيفائه ألا ترى أنه لما لم يجب القصاص للابن على الأب إذا قتله، كان ذلك حكمه إذا ورث من أبيه القود من غيره، فمنع ما عرض من ذلك من استيفائه كما منع ابتداء وجوبه، فكذلك لو قتل مرتدًّا لم يجب القود، ولو جرحه وهو مسلم ثم ارتد ثم مات من الجراحة سقط القود، فاستوى فيه حكم الابتداء والبقاء فلو لم يجب القتل بدءًا لما وجب إذا أسلم بعد القتل.
وهاهنا شيء آخر من وجوه النظر: وهو أنه لما كان المعنى في إيجاب القصاص ما أراده الله بقاء حياة الناس بقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}(١) وهذا المعنى موجود في الذمي، لأن الله تعالى قد أراد بقاءه حين حقن دمه بالذمة، وجذب أن يكون ذلك موجبًا للقصاص بينه وبين المسلم كما يوجب في قتل بعضهم بعضًا.
فإن قلت: يلزمك على هذا قتل المسلم بالحربي المستأمن، لأنه محظور الدم.
قلت: ليس كذلك، بل هو مباح الدم إباحة مؤجلة، ألا ترى أنا لا نتركه في دار الإِسلام ويلحقه بمأمنه، والتأجيل لا يزيل عنه الإباحة، كالثمن المؤجل لا يخرجه العاجل عن وجوبه، فافهم.