وإبراهيم النخعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا -رحمهم الله- فإنهم قالوا: يُبدأ بأيمان المدعى عليهم فيحلفون، ثم يغرموا الدية.
وروي ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.
ص: وقالوا: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار:"أتحلفون وتستحقون" إنما كان على النكير منه عليهم، كأنه قال: أتدعون وتأخذون، وذلك أن رسول الله -عليه السلام- قال لهم:"أفتبرئكم عود بخمسين يمينًا بالله ما قتلنا؟ قالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟! فقال لهم رسول الله -عليه السلام-: أتحلفون وتستحقون" أي إن اليهود وإن كانوا كفارًا فليس عليهم فيما يدعون عليهم غير أيمانهم.
ش: أي قال أهل المقالة الثانية في جواب ما قاله أهل المقالة الأولى، بيانه: أن حديث سهل بن أبي حثمة مؤل، وأن استدلالهم به فيما ذهبوا إليه غير صحيح، وبيَّن ذلك بقوله: قول رسول الله -عليه السلام- للأنصار:"أتحلفون" إنما خرج على سبيل الإنكار منه -عليه السلام- عليهم، فكأنه قال: كيف تدَّعون وتأخذون وليس لكم عليهم غير أيمانهم، فكما أنه لا يقبل منكم وإن كنتم مسلمين أيمانكم ولا تستحقون بها شيئًا، فكذلك اليهود وإن كانوا كفارًا لا يجب بدعواكم عليهم غير أيمانهم.
ص: والدليل على صحة هذا التأويل: ما قد حكم به عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بعد رسول -عليه السلام- بحضرة أصحابه، فلم ينكره عليه منهم مُنكِر، ومحال أن يكون عند الأنصار من ذلك علم ولاسيما مثل محيصة وقد كان حيًّا يؤمئذٍ وسهل بن أبي حثمة فلا يخبرونه به ويقولون: ليس هكذا قضى رسول الله -عليه السلام- لنا على اليهود.
فمما روي عن عمر - رضي الله عنه - في ذلك: ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن الحارث بن الأزمع أنه قال لعمر - رضي الله عنه -: "أما ندفع أموالنا عن أيماننا ولا أيماننا عن أموالنا، قال: لا، وعقله".