للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عباس قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "إذا لم يجد أحدكم ماء ووجد النبيذ فليتوضأ به" قال: المحفوظ من قول عكرمة، غير مرفوع إلى النبي - عليه السلام - ولا إلى ابن عباس.

وقال البيهقي: هذا حديث واهٍ.

قلت: (هذا) (١) مجرد دعوى منه فلا تقبل.

وقال أبو بكر الرازي في كتاب "أحكام القرآن": رَوَى الوضوء بالنبيذ عن النبي - عليه السلام - أبو مامة - رضي الله عنه - أيضا.

فإن قيل: هذا الحديث من أخبار الآحاد، ورَدَ على مخالفه الكتاب، ومن شرط ثبوت خبر الآحاد ألَّا يخالف الكتاب، فإذا خالف لا يثبت، أو يثبت لكنه نُسِخَ؛ لأنه كان بمكة، وهذه الآية -أعني قوله تعالى: {تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا} (٢) نزلت بالمدينة، وقال ابن القصار من المالكية، وابن حزم: من ذهب إلى أنه وإن صح يكون منسوخا؛ لأنه كان بمكة، ونزول قوله تعالى: {تَجِدُوا مَاءً} (٣) كان بالمدينة. وقال ابن حزم (٤): "نزول أمر الوضوء كان بالمدينة".

قلت: قد ذكر لك أن الحديث ورد مورد الشهرة والاستفاضة حتى عمل به الصحابة وتلقوه بالقبول، فصار موجبا علمًا استدلاليّا، ومثله مما ينسخ به الكتاب.

مع أنه لا حجة لهم في الكتاب؛ لأن عدم نبيذ التمر في الأسفار، يسبق عدم الماء عادة؛ لأنه أعسر وجودا من الماء، وتعليق جواز التيمم بعدم الماء تعليق بعدم النبيذ دلالة. فكأنه قال: فلم تجدوا ماء، ولا نبيذ تمر، فتيمموا، إلا أنه لم ينص عليه لثبوته عادة.

يؤيد هذا ما ذكرنا من فتاوى نجباء الصحابة - رضي الله عنهم - في زمان استدَّ فيه باب الوحي، وأنهم كانوا أعرف الناس بالناسخ والمنسوخ، فتبطل دعوى النسخ.


(١) كذا في "الأصل، ك".
(٢) سورة المائدة، آية: [٦].
(٣) سبق تخريجه.
(٤) "المحلى" (١/ ٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>