للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عند النبي -عليه السلام- فجاء ماعز بن مالك فاعترف عنده مرةً فرده، ثم جاء فاعترف الثانية فرده، ثم جاء فاعترف الثالثة فرده، فقلت له: إن اعترفت الرابعة رجمك، فاعترف الرابعة فحبسه، ثم سأل عنه فقالوا: ما نعلم إلا خيرًا فأمر برجمه".

وأخرجه أحمد في "مسنده" (١): عن أسود بن عامر، عن إسرائيل. . . . إلى آخره نحوه.

وقد طعنوا في هذا الحديث بسبب جابر الجعفي، ولكن ابن حبان أخرج له في "صحيحه"، وقال صاحب "التمهيد": أجمعوا على أنه يُكتب حديثه، واختلفوا في الاحتجاج به، وشهد له بالصدق والحفظ: الثوري وشعبة ووكيع وزهير بن معاوية، وقال وكيع: مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابرًا الجعفي ثقة، وزاد في "الاستذكار": كان شعبة والثوري يشهدان له بالحفظ والإتقان، وكان وكيع وزهير بن معاوية يوثقانه ويثنيان عليه.

فإن قيل: الإقرار حجة في الشرع لرجحان جانب الصدق فيه على جانب الكذب، وهذا المعنى عند التكرار والتوحُّد سواء؛ لأن الإقرار إخبار، والإخبار لا يزيد رجحانًا بالتكرار، ولهذا لم يشترط في سائر الحدود.

قلت: هذا هو القياس، ولكنا تركناه بالنص، وهو أنه -عليه السلام- رد ماعزًا أربع مرات، فلو كان الإقرار مرةً مظهرًا للحد لما أخره -عليه السلام- إلى الأربع؛ لأن الحد بعدما ظهر وجوبه للإمام لا يحتمل التأخير.

فإن قيل: يحتمل رد النبي -عليه السلام- ماعزًا أربع مرات لكونه أفهمه أنه لا يدري ما الزنا، فردده لذلك، لا لكون اشتراط الأربع في الإقرار، ألا ترى كيف قال له: "لعلك قبَّلت، أو غمزت، أو نظرت". وفي رواية قال بعد ذلك: "قبلتها؟ قال: نعم".

أخرجها النسائي (٢) وغيره من حديث ابن عباس، فدل ذلك أن ترديده -عليه السلام-


(١) "مسند أحمد" (١/ ٨ رقم ٤١).
(٢) "السنن الكبرى" (٤/ ٢٧٨ رقم ٧١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>