لم يكن مراعاة لتمام الإقرار أربع مرات أصلًا، وإنما كان لتهمته إياه في عقله، وفي جهله ما هو الزنا.
قلت: يرد هذا كله حديث بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه - فإنه يخبر فيه:"أن ماعزًا لما أقر مرة رده رسول الله، فلما كان من الغد أتاه أيضًا فاعترف أيضًا بالزنا. . . ." الحديث على ما يأتي، عن قريب إن شاء الله إلى أن قال بريدة في آخره:"كنا نتحدث بيننا أصحاب رسول الله -عليه السلام- أن ماعز بن مالك لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مرات لم يطلبه، وإنما رجمه عند الرابعة". وهذا أدل دليل على أن ترديده -عليه السلام- أربع مرات لم يكن إلا لكون اشتراط الأربع؛ إذْ لو كانت لتهمته إياه في عقله لرجمه في اليوم الثاني؛ لأن عقله كان يعلم في ترديده.
فإن قلت: يعارض هذا ما رواه النسائي (١): عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن ابن جريج عن أبي الزبير، عن عبد الرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة أخبره، أنه سمع أبا هريرة يقول:"جاء الأسلمي إلى رسول الله -عليه السلام- فشهد على نفسه أربع مرات بالزنا يقول: زنيت بامرأة حرامًا، كل ذلك يُعرض عنه رسول الله -عليه السلام-، فأقبل في الخامسة فقال له: أنكحتها؟ قال: نعم، قال: فهل تدري ما الزنا؟ قال: نعم، أتيتُ منها حرامًا مثل ما يأتي الرجل من امرأته حلالا، قال: فما تريد بهذا القول؟ قال: أريد أن تطهرني، فأمر به رسول الله -عليه السلام- أن يرجم فرجم، فسمع رسول الله -عليه السلام- رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظروا إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رُجم رَجمَ الكلب، فسكت عنهما رسول الله -عليه السلام- ساعةً، فمر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا: نحن يا رسول الله، فقال لهما: كلا من جيفة هذا الحمار، فقالا: يا رسول الله غفر الله لك مَن يأكل هذا؟! فقال رسول الله -عليه السلام-: ما نلتما من عرض هذا آنفًا أشد من أكل هذه الجيفة، فوالذي نفسي بيده إنه الآن في أنهار الجنة".