ش: هذا جواب آخر، وهو أيضًا ظاهر، وقد غمز الخطابي هاهنا على الطحاوي فقال: وقد زعم بعضهم أن النبي -عليه السلام- إنما أمر بقتله لاستحلال نكاح امرأة أبيه، وكان ذلك من مذهب أهل الجاهلية؛ كان الرجل منهم يرى أنه أولى بامرأة أبيه من الأجنبي، فيرثها كما ترث ماله، وفاعل هذا على الاستباحة يرتد عن الدين، فكان جزاؤه القتل لردته، وهذا تأويل فاسد، ولو جاز أن يتأول ذلك في قتله لجاز أن يتوهم في رجم من رجم رسول الله -عليه السلام- من الزناة، فيقال: إنما قتله بالرجم لاستحلاله الزنى، فقد كان أهل الجاهلية يستحلون الزنا، فلا يجب على من زنى الرجم حتى يعتقد هذا الزاني، وهذا ما لا خفاء بفساده.
قلت: هذا الذي قاله فاسد، وقياسه باطل؛ لأن الحكم المتنازع فيه لا يشبه حكم الرجم الذي فعله رسول الله -عليه السلام- في الذين زنوا؛ لأن الذين رجمهم رسول الله -عليه السلام- لم يستحلوا الزنى أصلًا حتى يتوهم فيه ما توهم في المتنازع فيه، وهذا من المعلوم الذي لا يشتبه، إذ لو استحلوا ذلك لأمر النبي -عليه السلام- بقتلهم دون رجمهم، ولما أمر أصحابه أن يفعلوا بهم مثل ما يفعلون بموتاهم من مراعاة سنن الغسل والتكفين والصلاة عليهم ودفنهم في مقابر المسلمين، فافهم.
ص: فإن قال قائل: فهذا عندنا على أنه قد تزوج ودخل، قيل له: وهو عند مخالفك على أنه تزوج واستحل.
فإن قال: ليس للاستحلال ذكر في الحديث.
قيل: ولا للدخول ذكر في الحديث؛ فإن جاز لك أن تحمل معنى الحديث على الدخول غير مذكور في الحديث جاز لخصمك أن يحمله على استحلال غير مذكور في الحديث.
ش: هذا السؤال وارد على الجواب الأخير، بيانه أن يقال: لا نسلم قولك: ليس في الحديث أنه دخل بها، بل هو عندنا محمول على أنه دخل بها، وتقرير الجواب: أنك إذا ادعيت أنه دخل بها، فندعي نحن أيضًا أنه تزوج واستحل هذا التزوج.