للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجوا بحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: "اشرب العصير ما لم يأخذه شيطانه، قال: في ثلاثة أيام".

وقال الشافعي: ما دام العصير حلوًا لم يشتد فهو حلال، وسواء أتى عليه ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر إذا لم يتغير عن حاله، وكان حلوًا مثل أول عصيره.

ص: وليس الحديث الذي رويناه عن أبي هريرة، عن النبي -عليه السلام- في أول هذا الباب مخالف لذلك عندنا؛ لأنه يحتمل وجوهًا:

أحدها: أن يكون كما قال أهل المقالة الأولى، ويحتمل أن يكون أراد بقوله: "الخمر من هاتين الشجرتين" إحداهما فعمها بالخطاب وأراد إحداهما دون الأخرى كما قال الله -عز وجل-: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} (١) وإنما يخرج من أحدهما، وكما قال -عز وجل-: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} (٢) والرسل من الإنس لا من الجن، وكما قال رسول الله -عليه السلام- في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - إذ أخذ على أصحابه في البيعة كما أخذ على النساء أن لا يشركوا ولا يسرقوا ولا يزنوا ثم قال: "فمن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارة له".

حدثنا بذلك يونس، قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي إدريس، عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -، عن النبي -عليه السلام-.

وقد علمنا أن مَن أشرك فعوقب بشركه فليس ذلك بكفارة له، فدل ما ذكرنا أنه إنما أراد بقوله -عليه السلام-: "فمن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به". أنه إنما أراد ما سوى الشرك مما ذكر في هذا الحديث، فلما كانت هذه الأشياء قد جاء ظاهرها على الجميع، وباطنها على خاص من ذلك، احتمل أيضًا أن يكون قوله: "الخمر


(١) سورة الرحمن، آية: [٢٢].
(٢) سورة الأنعام، آية: [١٣٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>