للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة" ظاهر ذلك عليهما وباطنه على إحداهما، فتكون الخمر المقصودة في ذلك من العنبة لا من النخلة.

ويحتمل أيضًا قوله: "الخمر من هاتين الشجرتين" أن يكون عنى به الشجرتين جميعًا، ويكون ما خمر من ثمرهما خمرًا، كما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد -رحمهم الله- في نقيع الزبيب والتمر، فجعلوه خمرًا.

ويحتمل قوله: "الخمر من هاتين الشجرتين" أن يكون أراد أن الخمر منهما وإن كانت مختلفة على أنها من العنب ما قد عقلنا من الخمر، وعلى أنها من التمر ما يسكر، فيكون خمر العنب هي عصير العنب إذا اشتد، وخمر التمر هي المقدار من نبيذ التمر الذي يُسكر.

فلما احتمل هذا الحديث هذه الوجوه التي ذكرنا لم يكن الأخذ بأحدها أولى من بقيتها، ولم يكن لمتأول أن يتاوله على أحدها إلا كان لخصمه أن يتأوله على ضد ذلك.

ش: لما كان حديث أبي هريرة الذي احتجت به أهل المقالة الأولى بظاهره حجة على أهل المقالة الثانية؛ أجاب عن ذلك نصرةً لهم.

تقريره: أن حديث أبي هريرة يحتمل وجوهًا متعددة من المعاني:

الأول: أن يكون الكلام على ظاهره كما قاله أهل المقالة الأولى، ويكون الخمر من الشجرتين النخلة والعنبة.

الثاني: يحتمل أن يكون ذلك واردًا على المجاز، وهو أن يكون المذكور شيئين ويكون المراد أحدهما، كما في قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} (١) فإن المذكور هاهنا بحران وهما: بحر فارس وبحر هند، وأسند خروج اللؤلؤ والمرجان إليهما، وفي الحقيقة لا يخرجان إلا من بحر فارس.


(١) سورة الرحمن، آية: [٢٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>