وقال ابن حزم في "المحلى"(١): قال مالك: من أوصى بعتق جزء من عبده لم يعتق منه إلا ما وصى بعتقه ورق باقيه، سواء حمله الثلث كله أو قصر عنه، فإن لم يحمل الثلث ما وصى بعتقه منه لم يعتق منه إلا ما حمل الثلث مما أوصى بعتقه منه ورق سائره، فإن أوصى بعتق عبيده أو دبرهم فإنه يعتق من كل واحد منهم ما حمله الثلث فقط ويرق سائره، فلو دبَّر في صحته أو في مرضه؛ بدئ بالأول فالأول على رتبته في تدبيره لهم، فإذا تم الثلث رقَّ الباقون ورقَّ ما بقي ممن لم يحمل الثلث جميعه.
ص: وقال آخرون: يقرع بينهم فيعتق منهم من قرع من الثلث، ويرق من بقي.
ش: أي: وقال قوم آخرون، وأراد بهم: الشافعي وأحمد وإسحاق؛ فإنهم قالوا في الصورة المذكورة: يقرع بينهم، فيعتق منهم من قرع -يعني من خرجت له القرعة- من الثلث، ويرق الباقون.
ص: واحتجوا في ذلك بما ذكرنا عن رسول الله -عليه السلام- في حديث عمران - رضي الله عنه -.
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون وهم أهل المقالة الثالثة فيما ذهبوا إليه بما روي عن عمران بن الحصين المذكور في هذا الباب، وهو ما رواه الحسن البصري عنه:"أن رجلًا أعتق ستة أعبد له عند الموت لا مال له غيرهم فأقرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم، فأعتق اثنين وأرقَّ أربعةً".
ص: فكان من الحجة لأهل المقالتين الأوليين على أهل هذه المقالة: أن ما ذكروا من القرعة المذكورة في حديث عمران منسوخ؛ لأن القرعة قد كانت في بدء الإِسلام تستعمل في أشياء فيحكم بها فيها، ويجعل ما قرع منها وهو الشيء الذي كانت القرعة من أجله لعينه.