ش: أي فكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الأولى والثانية على أهل المقالة الثالثة وهم: الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وأراد بهذا: الجواب عن حديث عمران الذي احتجوا به فيما ذهبوا إليه من الاقتراع، وبيانه أنه منسوخ؛ لأن القرعة قد كانت في ابتداء الإِسلام وكانوا يحكمون بها في أشياء، ثم نسخ ذلك وردت الأشياء إلى المقادير المعلومة التي فيها التعديل.
ص: من ذلك ما كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حكم به في زمن رسول الله -عليه السلام- باليمن، فإنه حدثنا إسماعيل بن إسحاق الكوفي، قال: ثنا جعفر بن عون أو يعلى بن عبيد -أنا أشك- عن الأجلح، عن الشعبي، عن عبيد الله بن الخليل الحضرمي، عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال:"بينا أنا عند رسول الله -عليه السلام-؛ إذ أتاه رجل من اليمن وعليّ - رضي الله عنه - يومئذٍ بها، فقال: يا رسول الله أتى عليًّا ثلاثة نفر يختصمون في ولد قد وقعوا على امرأة في طهرٍ واحد، فأقرع بينهم، فقرع أحدهم فدفع إليه الولد، فضحك رسول الله -عليه السلام- حتى بدت نواجذه أو قال: أضراسه".
فهذا رسول الله -عليه السلام- لم ينكر على علي - رضي الله عنه - ما حكم به بالقرعة في دعوى النفر بالولد، فدل ذلك أن الحكم كان حينئذ كذلك، ثم نسخ ذلك بعد باتفاقنا واتفاق هذا المخالف لنا، ودل على نسخه ما قد رويناه في باب القافة من حكم علي - رضي الله عنه - في مثل هذا بأن جعل الولد بين المدعيين جميعًا يرثهما ويرثانه. فدل ذلك أن الحكم كان يوم حكم علي - رضي الله عنه - بما حكم في كل شيء، مثل النسب الذي يدعيه النفر، أو المال الذي يوصي به للنفر بعد أن يكون قد أوصى به لكل واحد على حدة، أو العتاق الذي يعتق به العبيد في مرض معتقهم أن يقرع بينهم؛ فأيهم قرع استحق ما ادعى وما كان وجب بالوصية والعتاق، ثم نسخ ذلك بنسخ الربا، إذ رُدَّت الأشياء إلى المقادير المعلومة التي فيها التعديل الذي لا زيادة فيه ولا نقصان.
ش: أشار بهذا إلى أن القرعة كان يعمل بها في ابتداء الإسلام، ثم نسخ لما