ص: وبعد هذا فليس يخلو ما حكم به رسول الله -عليه السلام- -من العتاق في المرض من القرعة وجعله إياه من الثلث- من أحد وجهين: إما أن يكون حكمًا دليلًا على سائر أفعال المريض في مرضه من عتاقه وهباته وصدقاته، أو يكون ذلك حكمًا في عتاق المريض خاصةً دون سائر أفعاله من هباته وصدقاته، فإن كان خاصًّا في العتاق دون ما سواه فينبغي أن لا يكون ما جعل النبي -عليه السلام- في هذا الحديث من العتاق في الثلث دليلًا على الهبات والصدقات أنها كذلك؛ فثبت قول الذي يقول: إنها من جميع المال إذْ كان النظر يشهد له، وإن كان هذا لا يدرك فيه خلاف ما قال إلا بالتقليد، ولا شيء في هذا الباب يقلده غير هذا الحديث، فإن كان جعل النبي -عليه السلام- ذلك العتاق في الثلث دليلًا لنا على هبات المريض وصدقاته كذلك، فكذلك هو دليل لنا على أن القرعة قد كانت في ذلك كله جارية محكومًا بها، ففي ارتفاعها عندنا وعند هذا المخالف لنا من الهبات والصدقات دليل على ارتفاعها أيضًا في العتاق؛ فبطل بذلك قول من ذهب إلى القرعة، وثبت أحد القولين الآخرين.
ش: هذا جواب آخر عن حكم حديث عمران بن الحصين - رضي الله عنه -: السَّبْر والتقسيم، وهو ظاهر لا يحتاج إلى كثير الكلام.
ص: فقال مَن ذهب إلى تثبيت القرعة: وكيف تكون القرعة منسوخة وقد كان رسول الله -عليه السلام- يعمل بها فيما قد أجمع المسلمون على العمل بها فيه من بعده، فذكروا ما حدثنا يونس قال: ثنا علي بن معبد، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن عروة وسعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعلقمة بن وقاص، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:"كان رسول الله -عليه السلام- إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه؛ فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه".
حدثنا فهد، قال: ثنا أبو صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب. . . . فذكر بإسناده مثله.