ص: ثم رجعنا إلى حكم الإجارات كيف هو؟ لنعلم بذلك كيف حكم المساقاة التي قد أشبهها من حيث وصفنا؟ فرأينا الإجارات تقع على وجوه مختلفة، فمنها إجارات على بلوغ مساقاة معلومة بأجر معلوم فهي جائزة، فهذا وجه من الإجارات.
ومنها ما يقع على عمل معلوم مثل خياطة هذا القميص، وما أشبه ذلك، بأجر معلوم أيضًا.
ومنها ما يقع على مدة معلومة، كالرجل يستأجر الرجل على أن يخدمه شهرًا بأجر معلوم؛ فذلك جائز أيضًا.
فاحتيج في الإجارات كلها إلى الوقوف على ما قد وقع عليها منها العقد، فلم يجز في جميع ذلك إلا على شيء معلوم، إما المساقاة معلومة وإما عملا معلومًا، وقد كانت المضاربة تقع على عمل بالمال غير معلوم لا إلى وقت معلوم، فكان العمل فيها مجهولًا، والبدل منه مجهول أيضًا، فقد ثبت في هذه الأشياء التي قد وصفناها في الإجارات والمضاربات أن حكم كل واحد منهما حكم بدله، فما كان بدله معلومًا فلا يجوز أن يكون ذلك في نفسه إلا معلومًا، وما كان في نفسه غير معلوم، فجائز أن يكون بدله غير معلوم، ثم رأينا المساقاة والمزارعة لا تجوز واحدة منهما إلا إلى وقت معلوم في شيء معلوم، فالنظر على ذلك أن لا يجوز البدل منهما إلا معلومًا، وأن يكون حكمها كحكم البدل منها، كما كان حكم الأشياء التي ذكرنا في الإجارات والمضاربات حكم أبدالها.
فقد ثبت بالنظر الصحيح أن لا تجوز المزارعة ولا المساقاة إلا بالدراهم والدنانير وما أشبهها من العروض، وهذا كله قول أبي حنيفة - رضي الله عنه -.
ش: لما قال: أشبهت المساقاة الإجارة فيما قد وصفنا، بَيَّنَ حكم الإجارة كيف هو؟ حتى نعلم بذلك حكم المساقاة التي قد أشبهها، وبَيَّنَه بقوله:"فرأينا الإجارات. . . . إلى آخره"، وهو ظاهر.