المولى لعبده طعامه وكسوته لا غير ذلك مما يوسع به على نفسه، وقالوا: إن الأمر في الحديث المذكور على الندب والاستحباب؛ لأن السيد إذا أطعم عبده أدنى مما يأكله، وألبسه أقل مما يلبسه صفة وقدرا لم يذمه أحد من أهل الإِسلام إذا قام بواجبه عليه ولا خلاف في ذلك، وإنما موضع الذم إذا منعه مما يقوم به أوده ويدفع به ضرورته كما نص -عليه السلام- بقوله:"كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوتهم" وإنما هذا على جهة الحض على مكارم الأخلاق وإرشاد الإنسان إلى سلوك طريق التواضع، حتى لا يرى لنفسه مزية على عبده؛ إذا الكل عبيد الله تعالى، والمال مال الله؛ ولكن سَخَّرَ بعضهم لبعض، وملَّك بعضهم بعضًا؛ إتمامًا للنعمة وتنفيذًا للحكمة.
ص: واحتجوا بما حدثنا المزني، قال: ثنا الشافعي، قال: أنا سفيان بن عيينة، قال: ثنا ابن عجلان، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عجلان أبي محمد، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق".
قالوا: فهذا الذي يجب للمملوك على سيده، وكان أولى الأشياء بنا لما روي هذا عن رسول الله -عليه السلام- أن نحمل ما روينا قبله في هذا الباب على ما وافقه، ما وجدنا إلى ذلك سبيلًا، فكان قول رسول الله -عليه السلام-: "أطعموهم مما تأكلون، واكسوهم مما تلبسون" قد يحتمل أن يكون أراد بذلك الخبز والأدم، والثياب من الكتان والقطن، فإذا شاركوا مواليهم في ذلك فقد أكلوا مما يأكلون ولبسوا مما يلبسون فوافق معنى ذلك معنى حديث أبي هريرة، وإنما تجب المساواة لو قال: أطعموهم مثل ما تأكلون، واكسوهم مثل ما تلبسون، فلو كان قال هذا لم يجز للموالي أن يفضلوا أنفسهم على عبيدهم في كسوة ولا في طعام، ولكنه إنما قال:"أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون" فلم يكن في ذلك وجوب المساواة بينهم وبينهم في الكسوة والطعام، وإنما فيه وجوب الكسوة مما يلبسون ووجوب الطعام مما يأكلون، وإن كانوا في ذلك غير متساويين.