للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ش: أراد بالقوم هؤلاء: الأوزاعي وأبا الزناد ومالكًا والشافعي وأحمد وإسحاق فإنهم قالوا: إذا اشترى الرجل ما لم يره، فشراؤه فاسد. وعن مالك وأحمد: يصح بالوصف، ويثبت له الخيار إذا لم يكن بهذه الصفة. وهو قول الشافعي في القديم، وهو مختار الشافعية.

ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: من اشترى شيئًا غائبًا عنه فالبيع جائز، وله فيه خيار الرؤية، إن شاء أخذه وإن شاء تركه، وذهبوا في تأويل الحديث الأول أن الملامسة المنهي عنها فيه هي بيع كان أهل الجاهلية يتبايعونه فيما بينهم، فكان الرجلان يتراوضان على الثوب، فإذا لمسه المساوم به كان بذلك مبتاعًا له، ووجب على صاحبه تسليمه إليه.

وكذلك المنابذة كانوا أيضًا يتقاولون في الثوب وفيما أشبهه، ثم يرميه ربه إلى الذي قاوله عليه، فيكون ذلك بيعًا منه إياه ثوبه، ولا يكون له بعد ذلك نقضه، فنهى رسول الله -عليه السلام- عن ذلك، وجعل الحكم في البياعات أن لا يجب إلا بالمعاقدات المتراضى عليها، فقال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فجعل إلقاء أحدهما إلى صاحبه الثوب قبل أن يفارقه غير قاطع لخياره، ثم اختلف الناس بعد ذلك في كيفية تلك الفرقة، على ما قد ذكرنا من ذلك في موضعه من كتابنا هذا، وممن ذهب إلى هذا التأويل أبو حنيفة - رضي الله عنه -.

ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: الشعبي والنخعي والزهري وابن شبرمة والحسن وابن سيرين ومكحولًا وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا وزفر -رحمهم الله-، فإنهم قالوا: يجوز للرجل أن يشتري شيئًا غائبًا، وله خيار الرؤية إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء تركه، وهو مذهب أهل الظاهر أيضًا، إلا أنهم قالوا: إذا اشترى بالصفة ثم وجده كما وصف له فالبيع لازم، وإن وجده بخلاف ذلك فلا بيع بينهما إلا بتجديد صفقة أخرى برضاهما جميعًا.

قوله: "وذهبوا في تأويل الحديث الأول" أي ذهب هؤلاء الآخرون في تأويل الحديث الأول الذي احتجت به أهل المقالة الأولى، وهو ما رواه أنس وأبو هريرة

<<  <  ج: ص:  >  >>