وأبو سعيد الخدري - رضي الله عنهم -: "أنه -عليه السلام- نهى عن الملامسة، والمنابذة" وقالوا: إن المنابذة التي نهى عنها -عليه السلام- هي بيع كان أهل الجاهلية يتبايعونه فيما بينهم، وكان الرجلان يتراوضان على الثوب، وهو من المراوضة، وهو التجاذب في البيع والشراء، وهو ما يجري بين المتابعين من الزيادة والنقصان، كأن كل واحدٍ منهما يروض صاحبه، من رياضة الدابة.
وقيل: هو المواصفة بالسلعة، وهو أن يصفها ويمدحها عنده، ومنه حديث ابن المسيب:"أنه كره المراوضة". وهو أن تواصف الرجل بالسلعة ليست عندك، وسمي بيع المواصفة.
قوله:"ثم اختلف الناس بعد ذلك في كيفية الفرقة" أي الفرقة المفهومة من قوله -عليه السلام-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" فقال إبراهيم النخعي والثوري وربيعة وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن: المراد به هو التفرق بالأقوال، فإذا قال البائع: قد بعت، وقال المشتري: قد قبلت، فقد تفرقا، ولا يبقى لهما خيار بعد ذلك، ويتم البيع، ولا يقدر المشتري على رد البيع إلا بخيار العيب أو الرؤية أو خيار الشرط، وقال أبو يوسف وعيسى بن أبان: هي الفرقة بالأبدان وذلك أن الرجل إذا قال لآخر: قد بعتك عبدي بألف درهم، فللمخاطَب بذلك القول أن يقبل ما لم يفارقه صاحبه فإذا افترقا لم يكن له بعد ذلك أن يقبل.
وقال سعيد بن المسيب، والزهري، وعطاء بن أبي رباح، وابن أبي ذئب، وابن عيينة، والأوزاعي، والليث بن سعد، وابن أبي مليكة، والحسن البصري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، وأبو سليمان، ومحمد بن جرير الطبري، وأهل الظاهر: الفرقة المذكورة في الحديث هي الفرقة بالأبدان فلا يتم البيع حتى يوجد التفرق بالأبدان، وقد استوفينا الكلام فيه باب:"خيار البيعين حتى يتفرقا".
ص: ولما اختلفوا في ذلك أردنا أن ننظر فيما سوى هذا الحديث من الأحاديث، هل فيه ما يدل على أحد القولين اللذين ذكرناهما؟ فنظرنا في ذلك، فإذا إبراهيم