ابن محمد الصيرفي قد حدثنا، قال: ثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: ثنا حماد، عن حميد، عن أنس - رضي الله عنه - قال:"نهى رسول الله -عليه السلام- عن بيع العنب حتى يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد".
فدل على إباحة بيعه بعدما يشتد وهو في سنبله؛ لأنه لو لم يكن كذلك لقال حتى يشتد ويرى في سنبله، فلما جعل العلة في البيع المنهي عنه هي شدته ويبوسته؛ دل ذلك أن البيع بعد ذلك بخلاف ما كان عليه في البدء.
فلما جاز بيع الحب المغيب في السنبل الذي لم يَيْنعَ دَلَّ هذا على جواز بيع ما لم يراه المتبايعان إذا كانا يرجعان إلى معلوم كما يرجعان في الحنطة المبيعة المغيبة في السنبل إلى حنطة معلومة، فأولى الأشياء بنا في مثل هذا إذا كنا قد وقفنا على تأويل هذا الحديث واحتمل الحديث الآخر موافقته أو مخالفته؛ أن نحمله على موافقته لا على مخالفته.
وقد حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب في تفسير الملامسة والمنابذة قال:"كان القوم يتبايعون السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها، والمنابذة أن يتنابذ القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها؛ فهذا من أبواب القمار".
حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ربيعة قال:"كان هذا من أبواب القمار، فنهى عنه رسول الله -عليه السلام-".
فهذا الزهري وهو أحد من روي عنه هذا الحديث قد أجاز للرجل أن يشتري ما قد أخبر عنه، وإن لم يكن عاينه، ففي ذلك دليل على جواز ابتياع الغائب.
ش: أي ولما اختلف أهل المقالة الأولى، وأهل المقالة الثانية في الحكم المذكور أردنا أن ننظر هل نجد حديثًا غير هذا الحديث المذكور؛ يدل على صحة أحد القولين؟ فنظرنا في ذلك فوجدنا حديث أنس - رضي الله عنه - يدل على صحة ما ذهب إليه أهل المقالة الثانية.