للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقوله: "والبكر تستأمر وإذنها صماتها" للفرق بين الإذنين: إذن الثيب، وإذن البكر، ومن أول الأيم بالثيب أخطأ في تأويله، وخالف سلف الأمة وخلفها في إجازتهم لوالد الصغيرة تزويجها بكرًا كانت أو ثيبًا من غير خلاف.

وقال صاحب "التمهيد": قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والحسن بن حيّ وأبو ثور وأبو عبيد: لا يجوز للأب أن يزوج ابنته البالغة بكرًا كانت أو ثيبًا إلا بإذنها والأيم التي لا بعل لها وقد تكون إن بكرًا أو ثيبًا، لحديث: "الأيم أحق بنفسها" وحديث: "لا تنكح البكر حتى تستأذن" على عمومها، خص منها الصغيرة لعقد عائشة - رضي الله عنها -.

فإن قيل: قال البيهقي (١): حديث ابن عباس: "يستأمرها أبوها" يبين أن الأمر إلى الأب في البكر، وقال الشافعي: زاد ابن عيينة في حديثه: "البكر يزوجها أبوها" والمؤامرة قد تكون على استطابة النفس؛ لأنه يروى أن النبي -عليه السلام- قال: "وأَمِّروا النساء في بناتهن" ثم رواه من حديث معاوية بن هشام عن الثوري، عن إسماعيل بن أمية، حدثني الثقة، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وأَمِّرُوا النساء في بناتهن".

قلت: "يزوجها أبوها" ليس في شيء من الحج المتداولة، ولم يذكر الشافعي سنده لننظر فيه، وحمل المؤامرة على استطابة النفس خروج عن الظاهر من غير دليل، بل قوله: "يستأمرها أبوها" خبر في معنى الأمر، وحديث: "لا تنكح البكر حتى تستأمر" يدل على ذلك، وكذا قوله -عليه السلام-: "إنكاح الأب" في حديث جرير بن حازم وغيره، ولو ساغ هذا التأويل لساغ في قوله -عليه السلام- في "الصحيح": "لا تنكح الثيب حتى تستأمر" وأما حديث: "وأمروا النساء في بناتهن" فليس بحجة عند أهل الحديث حتى يسمى الثقة الذي في سنده، ولو صح فقد عدل فيه عن الظاهر للإجماع، فلا يعدل عن الظاهر في غيره من الأحاديث.


(١) "سنن البيهقي" (٧/ ١١٥ رقم ١٣٤٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>