للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبيح لبسه في الجرب، أو للحكة، أو لشدة البرد إذا لم يجد غيره، وله أمثال كثيرة في الشرع.

والجواب المقنع في ذلك: أنه - عليه السلام - عرف بطريق الوحي شفاءَهم، والاستشفاء بالحرام جائز عند التيقن بحصول الشفاء؛ كتناول الميتة عند المخمصة، والخمر عند العطش وإساغة اللقمة، وإنما لا يباح مالا يسْتيقن حصول الشفاء فيه.

وقال ابن حزم (١): صح يقينا أن رسول الله - عليه السلام - إنما أمرهم بذلك على سبيل التداوي من السقم الذي كان أصابهم، وأنهم صحت أجسامهم بذلك، والتداوي منزلة ضرورة؛ وقد قال -عز وجل-: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (٢)؛ فما اضطُّر المرء إليه فهو غير محرم عليه من المآكل والمشارب.

وقال شمس الأئمة: حديث أنس - رضي الله عنه - قد رواه قتادة عنه: أنه رخص لهم في شرب ألبان الإبل، ولم يذكر الأبوال، وإنما ذكره في رواية, حميد الطويل عنه، والحديث حكايته حال، فإذا دار بين أن يكون حجة أو لا يكون حجة، سقط الاحتجاج به.

ثم نقول: خصَّهم رسول الله - عليه السلام - بذلك؛ لأنه عرف من طريق الوحي أن شفاءهم فيه، ولا يوجد مثله في زماننا، وهو كما خص الزبير - رضي الله عنه - بلبس الحرير لحكة كانت به، وهي القمل، فإنه كان كثير القمل.

أو لأنهم كانوا كفارا في علم الله تعالى، ورسوله - عليه السلام - علم من طريق الوحي أنهم يموتون على الرِّدَّة، ولا يبعد أن يكون شفاء الكافر بالنجس, انتهى.

فإن قيل: هل لأبوال الإبل تأثير في الاستشفاء حتى أمرهم - عليه السلام - بذلك؟

قلت: قد كانت إبله - عليه السلام - ترعى الشِّيحَ والقَيْصَوم، وأبوال الإبل التي ترعى ذلك وألبانها تدخل في علاج نوع من أنواع الاستشفاء، فإذا كان كذلك كان


(١) "المحلى" (١/ ١٧٥).
(٢) سورة الأنعام، آية: [١١٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>