قلت: إنما أشكل على عمر وعمار لحصول الجنابة، فاعتزل عمر - رضي الله عنه - وتمعك عمار؛ ظنّا منه أن حالة الجنابة تخالف حالة الحدث الأصغر.
وعندي جواب حسن عن هذا الحديث، وهو أنهم أجروا اسم اليد على ظاهر الاسم؛ لأن اليد لغة: من رؤوس الأنامل إلى الآباط، ولم يكن عندهم دليل الخصوص، فأجروا الحكم على ظاهره، ولكن قام دليل الإجماع في إسقاط ما وراء المرفقين، فسقط، وما دونهما بقي على الأصل؛ لاقتضاء الاسم إياه، ويؤيده أن التيمم بدل عن الوضوء والبدل لا يخالف المبدل.
وقال الكاساني في "البدائع"(١): وحديث عمار معارض، والمعارض لا يصلح حجة.
وقد قال إسحاق بن إبراهيم قريبا من كلام الطحاوي، وهو أن حديثه "تيممنا مع النبي - عليه السلام - إلى المناكب والآباط" ليس بمخالف لحديث الوجه والكفين؛ لأن عمارا لم يذكر أن النبي - عليه السلام - أمرهم بذلك، وإنما قال: فعلنا كذا وكذا، فلما سأل النبي - عليه السلام - أمره بالوجه والكفين، فانتهى إلى ما عَلَّمه رسول الله - عليه السلام -، والدليل على ذلك ما أفتى به عمار بعد النبي - عليه السلام - في التيمم أنه قال: الوجه والكفين.
وقال الشافعي: ذكر عمار تيممهم مع النبي - عليه السلام - إلى المناكب منسوخ عنده؛ لأنه رَوى عنه - عليه السلام - أنه أمر بالتيمم على الوجه والكفين، فإن لم يرو عنه إلَّا تيمما واحدا فاختلف رواته عنه، فتكون رواية ابن الصمَّة التي لم تختلف أثبت، وإذا لم تختلف فأولى أن يؤخذ بها؛ لأنها أوفق لكتاب الله من الروايتين اللتين رويتا مختلفتين، أو يكون إنما سمعوا آية التيمم عند حضور الصلاة، فتيمموا واحتاطوا وأتوا على غاية ما يقع عليه اسم اليد؛ لأن ذلك لا يضرهم، كما لا يضرهم لو فعلوه في الوضوء، فلما صاروا إلى سؤاله - عليه السلام - أخبرهم أنه يجزئهم أقل مما فعلوا.