للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجيب بأن الدعوى أنهما قضيتان، فلا تناقض حينئذ على ما لا يخفي.

أو يكون المراد من قولها: "بعث رجلا"، يعني أميرا على جماعة، كعادته، فعبر بعض الرواة بأُنَاس، يعني: أسيدا وأصحابه، وبعضهم برجل، يعني: المشار إليه.

وقال المهلب بن أبي صفرة: ليس بينهما تناقض؛ لأنه يحتمل أن يكون المبعوث أسيدا فوجدها بعد رجوعه من طلبها، ويحتمل أن يكون النبي - عليه السلام - وجدها عند إثارة البعير، بعد انصراف المبعوثين إليها، فلا يكون بينهما تعارض.

الثالث: أن بين رواية الطحاوي هذه وبين رواية مسلم وغيره تناقضا؛ لأن المفهوم من رواية الطحاوي أنهم حين لم يقدروا على الماء تيمموا، منهم من تيمم إلى الكف، ومنهم من تيمم إلى المنكب، ومنهم من تيمم على جلده، ثم بلغ ذلك رسول الله - عليه السلام - فأنزلت آية التيمم.

فهذا يدل على أن نزول آية التيمم كان بعد ما تيمموا هذا التيمم المختلف، فَعُلم من هذا أنهم لم يفعلوا ذلك إلَّا وقد تقدم عندهم أصل التيمم، وعلم من قول عائشة: "فأنزل الله آية التيمم"، (أنه هو الذي) (١) أنزل بعد فعلهم هو صفة التيمم، على ما ذكره الطحاوي.

والمفهوم من رواية مسلم وغيره أنهم صلوا بغير وضوء، وأنهم لما أتوا النبي - عليه السلام - شكوْا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم، فهذه تدل على أنهم لو كان لهم علم متقدم من أصل التيمم ما كانوا صلوا الآن.

وأجيب: أن قوله: "صلوا بغير وضوء" لا يستلزم نفي صلاتهم بذاك التيمم المختلف، الذي تقدم علمهم به؛ لأن الوضوء غير التيمم.

فإن قيل: يرد هذا ما رواه الطبراني في "الكبير" (٢): نا يوسف القاضي، نا محمَّد بن


(١) كذا في "الأصل، ك" ولعل الصواب: "أن الذي" يحذف: "هو".
(٢) "المعجم الكبير" (٢٣/ ٥٠ رقم ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>