فإن بتقدير ذلك لا يحصل المقصود، لأنه مجاز لا يصار إليه إلا عند قيام الدلالة عليه، وهو مقصود إذ الأصل عدم ذلك الدليل.
وكون أهل الكتاب من جملة القائلين بهذا القول: مع أنهم كانوا يصلون ويتصدقون ويؤمنون بالغيب لا يصلح دليلاً عليه، لأن الصلاة حقيقة في الأفعال المخصوصة والأركان المعلومة التي في شرعنا، وهي ما كانت حاصلة في شرعهم، فيصدق في حقهم أنهم لم يكونوا من المصلين، ولما لم يكن إيمانهم بالغيب على وجه الذي ينبغي لا جرم يصدق في حقهم أيضًا أنهم يكذبون بيوم الدين، ولئن جوزنا هذا الحمل والتأويل.
فما الحيلة في دفع قوله:{ولم نك نطعم المسكين} ولا يجوز إحالة التعذيب إلى التكذيب بيوم الدين، وإن كان سببًا مستقلاً له، ومع أن إضافة الأثر إلى السبب المستقل أولى، لأنه لم يبق حينئذ في ذكر غيره من القيود فائدة، والتكذيب بيوم الدين، وإن كان سببًا مستقلاً لمطلق التعذيب، لكن ليس سببًا مستقلاً بتعذيب مخصوص حاصل بسبب ترك مجموع الأمور المذكورة، فلم يلزم انخرام تلك القاعدة.
وحمل {لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين} على لم نك من المقرين بوجوب فعل الصلاة والإطعام وإن كان مجازًا ظاهرًا من حيث إن عدم الإقرار بالوجوب سبب للترك، كما أن / (١٧٨/ب) الإقرار بالوجوب سبب للفعل خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا عند تعذر الحمل على الحقيقة، وقيام الدلالة على إرادته وحصولها غير مسلم فيما نحن فيه، وتخصيص القضية