ثم لا نعني به أن المعدوم حال كونه معدومًا مأمور، ليقال: إن الصبي والمجنون والنائم، إذا لم يجز أن يكون مأمورًا لعدم الفهم التام، أو لعدم أصل الفهم مع أنه حاصل له، وإنما زال واستتر بعارض يزول عن قرب، كان المعدوم أولى بأن لا يجوز أن يكون مأمورًا، لعدم الوجود وتوابعه من الفعل والفهم، بل بمعني أنه يجوز أن يكون الأمر موجودًا في الحال، ثم إن المعدوم إذا وجد وتهيأ للفتهم التام يصير مأمورًا بذلك الأمر.
ويدل عليه وجوه:
أحدها: أن الولد يصير مأمورًا عند وجوده وتهيئه للفهم التام، بأوامر والده له المكتوبة عند موته بطريق الوصية، بدليل أنه يوصف بالطاعة عند امتثالها، وبالعصيان والعقوق عند مخالفتها، فلو لم يكن مأمورًا بتلك الأوامر لما كان كذلك.
وثانيها: أن الواحد منا يصير مأمورًا بأمر النبي عليه السلام، مع أن ذلك الأمر ما كان موجودًا إلا حال عدمنا.
وثالثها: أنه ثبت قدم / (١٨٤/أ) كلامه تعالى في علم الكلام، فيكون أمره ونهيه أزليًا، ويلزم منه أمر المعدوم بالمعني الذي عيناه قطعًا.