فإن قيل: لا نسلم أن الواحد منا يصير مأمورًا بعد موته عليه السلام، بأمره عليه السلام، الذي كان موجودًا قبلنا.
ولم لا يجوز أن يقال: إنه إنما يصير مأمورًا بأمر الله تعالى إياه عند وجوده وبلوغه؟، ويحمل أمر الرسول عليه السلام على أنه إخبار عن أن الله تعالى، يأمر كل واحد من المكلفين عند وجوده وبلوغه بمدلول ذلك الأمر، وحينئذ لا يحصل المقصود.
سلمنا: ذلك لكن إنما جاز ذلك فيما ذكرتم من الصورتين، لأنه وجد هناك من سمع ذلك الأمر وبلغه إلينا، ولا يلزم من ذلك جواز أن يأمر الله تعالى عبيده في الأزل، لأنه لم يوجد هناك من سمع ذلك الأمر، فكان أمره عند ذاك عبثا وهو على الله تعالى محال.
سلمنا: جوازه أيضًا، لكن ما ذكرتم من الدليل معارض بدليل آخر، وهو: أن الأمر عبارة عن إلزام الفعل على المأمور، وذلك بدون وجوده عبث وسفه، ألا ترى أن من جلس في الدار وحده، وأخذ يأمر وينهي عد سفيهًا عابثًا تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
قلنا: الجواب عن الأول: لا يجوز أن يجعل أمره عليه السلام خبرًا عما ذكرتم.
أم أولاً: فلأن جعل الأمر خبرًا عن شيء ما باطل، لأنه يقتضي أن يتطرق التصديق والتكذيب إليه، وهو غير متطرق إليه وفاقا.