تقدير الاستثناء عقيب كل جملة خلاف الأصل، تعين ما ذكرتم لكن ذلك محال بما ذكرتم من الوجهين، فما هو جوابكم فهو جوابنا.
فإن قلت: الإضمار وإن كان على خلاف الأصل، لكن يصار إليه عند قيام الدلالة عليه، و"لما دل الدليل" على عود الاستثناء إليها بأسرها"/ (٢٥٣/ أ) وقام الدليل على امتناع اجتماع عاملين مختلفين على معمول واحد، مع ما ثبت إن العامل هو الفعل المذكور أو المقدر في المستنثى منه، تعين ذلك أن يكون بطريق الإضمار عقيب كل جملة، وهذا لا يتأتى لكم.
قلت: لا نسلم أنه لا يتأتى لنا: فإن ما ذكرنا من قياس الاستثناء بمشيئة الله تعالى والشرط، دليل على عود الاستثناء إلى كل الجمل لا يمكنكم الجواب عنه بما أجبنا عنه، لأنكم سلمتم الحكم فيها والمقدمتان الباقيتان لا تختلف فيكون الدليل دالا على الإضمار في المتنازع فيه أيضًا.
وخامسها: أن دخول الأفراد التي يخرجها الاستثناء عما قبل الجملة الأخيرة، على تقدير عوده إلى الكل تحته معلوم، وخروجها عنه بسببه مشكوك فيه، واليقين لا يزال بالشك.
وأجيب عنه: بمنع تيقن الدخول مع الاستثناء المتصل بآخر الكلام، وهذا لأنه راجع إلى الكل عندنا: ومع هذا كيف يمكن ادعاء تيقن الدخول علينا؟.
وفيه نظر، لأن المعنى من قولنا: اليقين لا يزال بالشك، أن اليقين الذي كان ثابتا قبل ما به الشك لا يزال بالشك، ولا مع ما به الشك لا يبقى اليقين قطعًا، ونظائره في الاستعمال كثيرة لا تخفى عليك، وحينئذ لا يصح المنع، لأن تيقن الدخول كان ثابتًا قبل الاستثناء وفاقًا.