نسلم أنه غير حاصل فيما نحن فيه، غاية ما في الباب أنه غير حاصل من الحديث، ولا يلزم منه أن لا يحصل أصلا لجواز أن يحصل من دليل آخر، وهو "غير" حاصل هنا.
وبيانه: أن الغالب في الأحكام المشروعة إنما هو التعميم لا التخصيص، وإلحاق الفرد بالأعم والأغلب أولى من إلحاقه بالنادر، فهذا يقتضي غلبة الظن بشرعية ذلك الحكم في حق الباقين، فيكون نسخا في حق الكل، ثم الدليل على ما ذكرنا أن فعله لو كان منكرا لما جاز للنبي عليه السلام السكوت.
أما أولا: فلما أن النهي عن المنكر واجب.
وأما ثانيا: فلأن سكوته يغلب على الظن جوازه.
وهب أنه لم يغلب جوازه، لكن لا أقل من أن يوهم جوازه، ودفع إيهام الباطل واجب حيث لا يدل على نفيه.
فإن قلت: فلو كان تقدم من النبي- عليه السلام- إنكار ذلك الفعل على التعميم ينبغي أن لا يجب عليه- صلوات الله عليه والسلام- الإنكار، إذ الظن الغالب أو الإيهام بجوازه من مندفع بذلك الإنكار السابق، فلعله- عليه السلام- اكتفى بذلك ولم يجدد الإنكار، فعلى هذا ينبغي أن ينعطف هذا ضدا في المسألة، بأن يقال: مع [عدم] الإنكار عليه سابقا.
قلت: لو كفى ذلك فيه لكفى العام نفسه، فإن مقتضى العموم إذا كان الوجوب على سبيل التعميم كان متضمنا للإنكار على فعل ضده قطعا فليكتف به، ثم السبب في عدم اشتراط ذلك هو أنه كما يحتمل تخصيصه عن مقتضى