وأيضاً وهو عقلي: أنه يحسن من السيد أن يقول لعبده، أذهب غدا إلى القرية الفلانية راجلا لتقضي الشغل الفلاني، ويكون غرضه من ذلك امتحان العبد في انقياده له وحصول الرياضة له في الحال، وتوطين نفسه عليه ليسهل عليه فعل ما دونه من التكاليف التي كلفه بها، مع علمه بأنه سيرفع عنه ذلك التكليف وإذا حسن ذلك التكليف وإذا حسن ذلك في الشاهد حسن في الغائب، للحديث المشهور.
واحتجوا بوجهين:
أحدهما: أنه تعالى: إن كان عالما حالة الأمر بما هو عليه الفعل من المصلحة أو المفسدة في الوقت الذي أمر فيه بالفعل، وجب أن لا يحسن إلا الأمر به أو النهي عنه، وإلا لزم الأمر بالمفسدة أو النهي عن المصلحة، وهو غير جائز على الحكيم، وإنما قيدنا كونه كذلك في وقت الفعل، لأن المعتبر [هو وقت الفعل في الأمر المقيد بوقت] لا وقت الأمر، فإن الشيء إذا كان مشتملا على المصلحة حالة الأمر دون حالة الفعل، فإنه لا يجوز الأمر به في وقت تغيير مصلحته وإن لم يكن عالما به لزم الجهل على الله تعالى وهو محال.
وجوابه: أنه مبني على التحسين والتقبيح ورعاية المصلحة والمفسدة وكل ذلك باطل عندنا.
سلمناه: لكن الأمر بالشيء إنما يحسن إذا كان ذلك الشيء مشتملا على المصلحة والأمر به أيضا يكون كذلك، فأما إذ لم يكن كذلك لم يحسن الأمر به إذ يكفي في المنع عن الشيء اشتماله على جهة من جهات المفسدة.