وأما الثالث فيمكن أن يجاب عنه: بأن المعلوم من عادتهم أنهم كانوا يقطعون بالمنع من مخالفة الحكم الصادر عن الأمارة، ورأيناهم قاطعين في المنع من مخالفته فلا يكون ذلك صادرًا عن الأمارة.
وتاسعها: وهو وجه آخر من المعقول، وهو: أن هذه الأمة آخر الأمم، لأنه قد ثبت أنه لا نبي بعد نبيهم فلا أمة بعدهم، فلو جاز إطباقهم على الخطأ وإصرارهم عليه لاحتاجوا إلى نبي يدعوهم إلى الحق كما احتاجت إليه سائر الأمم الذين كانوا على الباطل، فكانت البعثة واجبة بمقتضى الحكمة إذ ذاك، والإخلال به إذ ذاك غير لائق بالحكمة، ولذلك قال عليه السلام:"علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" فإن الأنبياء عالمون بالحق في تلك الشرائع، وفي شريعتنا لما امتنع وجود الأنبياء قام العلماء مقامهم، ولما لم يكن كذلك علمنا أنه لا يجوز اتفاقهم على الخطأ.
فإن قلت: قيام الأدلة والمعجزة الدالة على صدقه وهو القرآن يغني عن ذلك.
قلت: بقاؤها إنما يكون بعصمة الأمة، إذ لو جاز إجماعهم على الباطل جاز إطباقهم على عدم القيام بها ونقلها فحينئذ لا يحصل بها الاكتفاء.
وأيضًا فإن ذلك إنما يغنى بالنسبة إلى مسائل الأصول كالتوحيد وإثبات النبوة دون مسائل الفروع.
فهذا ما أردنا إيراده من أدلة المثبتين للإجماع.
وأما المنكرون له فقد احتجوا بوجوه من الكتاب، والسنة، والمعقول: