الخلق العظيم المختلف الدواعي والهمم على الحكم الواحد إما أن يكون الدليل أو لأمارة، أو لا لدليل ولا لأمارة، وهذا الثالث مستحيل عادة.
فإن كان الأول كان الإجماع كاشفًا عن ذلك الدليل وحينئذ وجب اتباع الإجماع، وإلا لكان ذلك تجويزًا بمخالفة الدليل وهو ممتنع.
وإن كان الثاني فمثل هذا الحكم وإن كان يسوغ مخالفته لأمارة أخرى لكن لما رأينا التابعين قاطعين بالمنع من مخالفة الإجماع علمنا اطلاعهم على دلالة قاطعة مانعة من مخالفة الإجماع إذ لو/ (١٨/ أ) كان المانع منه أيضًا الأمارة لما قطعوا بالمنع منه، وهذه الدلالة لو صحت تقضي أن يكون إجماع الخلق العظيم من كل أمة حجة وأن لا يكون الإجماع حجة إذا كان المجمعون عدد التواتر.
واعترض الإمام على هذه الدلالة وقال: "لا نسلم انحصار التقسيم، وهذا فإنه يجوز أن يكون اتفاقهم على الحكم لشبهة، فكم من المبطلين - مع كثرتهم - في الشرق والغرب قد اتفقوا على حكم واحد لشبهة اعترضت لهم.
سلمنا الحصر، لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك لأمارة؟ ولا نسلم إجماع الصحابة والتابعين على المنع منه.
سلمنا ذلك، لكن لم جوزت حصول الإجماع على الحكم لأمارة؟ فلم لا يجوز حصول الإجماع على المنع من مخالفة الإجماع لأمارة أيضًا؟
واعلم أن السؤال الأول قادح وأما الثاني فضعيف، فإن العلم بإجماع الصحابة والتابعين على المنع من مخالفته بعد استقراء أحوالهم يكاد أن يكون ضروريًا.