نصب عليها دليلاً، أو أمارة، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق على تقدير وقوعها، والظاهر من المجتهد الاطلاع عليه، أما قبل وقوع الواقعة، أو بعده بعد البحث الشديد والتفتيش التام، والظاهر تأدية نظره إلى وجه دلالته، فإن وجه دلالة الدليل أو الأمارة لا يخفى على المجتهد.
وأما الثالث: فلأنه إن ظهر عليهم قرائن السخط والغضب لم يكن مثل هذا الإجماع السكوتي حجة؛ لأن دلالة القرينة الحالية على الرد والمخالفة لا تقصر عن دلالة القولية، وإن لم يظهر عليهم ذلك، فالظاهر إنما هو الرضا والموافقة، لأن الإنكار عليهم واجب بتقدير أن يظهر لهم أنه خلاف الحق، فكان يجب عليهم إظهاره، فلما لم يظهروه لا بصريح القول ولا بدلالة الحالية، غلب على الظن الرضا والموافقة.
ولأن اتفاقهم مع كثرتهم وعدم خوفهم على إخفاء الغضب والسخط بحيث لم يظهر من واحد منهم ما ينبي عنه لا بصريح المقال ولا بقرينة الحال بعيد جدًا.
وأما الرابع والخامس، فلأنه وإن كان لا يبعد السكوت فيها على تقدير المخالفة أيضًا، بناء على جواز الحكم وصوابه على ذينك التقديرين، لكن يبعد السكوت على تقدير المخالفة، نظرًا إلى ما جرت به العادة المستمرة بين العلماء من زمن الصحابة إلى زماننا من المباحثة والمناظرة في إظهار مآخذهم في المسائل الاجتهادية، فلو أدى اجتهادهم إلى خلاف ذلك الحكم لوجب أن يظهروه جريًأ على مقتضى العادة، ولما لم يظهروه غلب على الظن عدم الأدية إلى المخالفة.
وأما السادس: فبعيد أيضًا؛ لأنه على خلاف ما عهد منهم من الصدع بالحق، والمسارعة إلى فعله، وإن كان بحيث قد يلحقهم في ذلك ضرر، ولو سلم ذلك لكنه في غاية البعد مع تطاول الزمان وانقراض العصر وبه يعرف مرجوحية احتمال السابع والثامن والتاسع.