وثانيها: أن العلماء إذا اتفقوا على شيء وخالفهم العوام في ذلك فلا شك أن خلافهم وقولهم بخلاف ذلك الحكم باطل، لما سبق، فلو كان قول العلماء أيضًا باطلاً: لزم أن يكون قول مجموع الأمة باطلاً بالنسبة إلى مسألة واحدة، ولكن غايته أنه باعتبارين مختلفين، فإن بطلان قول العوام باعتبار الطريق وبطلان قول العلماء باعتبار عدم مصادفة الحكم، وهذا على قولنا: المصيب واحد، وأما على قولنا: كل مجتهد مصيب [فإنه لا يتصور البطلان بهذا المعنى بل يتعين أن يكون البطلان في القولين] على الوجه الأول وبطلان قول مجموع الأمة بالنسبة إلى مسألة واحدة باطل، وإن كان ذلك باعتبارين، لأن أدلة الإجماع تنفي ذلك مطلقًا من غير فصل.
وثالثها: أن العوام ليسوا من أهل الاجتهاد فلا عبرة بقولهم كالصبي والمجنون. وما يذكر من الفرق بين المقيس والمقيس عليه فغير قادح، لأنه في عير محل الجمع.
ورابعها: أن العامي يلزمه موافقة العلماء، ويحرم عليه مخالفتهم، فلا تكون مخالفته معتبرة، كالمجتهد إذا خالف بعد انعقاد الإجماع، أو بعد انقراض عصره على اختلاف القولين، فإنه لما وجب عليه موافقتهم لم تعتبر مخالفته لهم.
وفي هذا الوجه نظر، فإن المجتهد إذا خالف خبر الواحد بناء على أنه لا يرى العمل به، وأجمع الباقون على مقتضاه، فإن ها هنا يحرم عليه مخالفته ونعصيه بسبب المخالفة مع أنه لا ينعقد الإجماع مع مخالفته، فليس يلزم من حرمة المخالفة عدم اعتبارها، وأما في الصورة التي ذكروها فليس تعتبر المخالفة لعموم حرمة المخالفة، بل لخصوص مخالفة الإجماع.