وجوابه: أن ما جعل في مقابلة الكذب يقتضي أن لا يكون كذبا، وذلك قد يكون بانتفاء أصل الخبرية مع بقاء صورة الخبرية، وقد يكون بانتفاء الكذبية مع بقاء أصل الخبرية، لأن المجموع المركب من أمرين ينتفي بانتفاء كل واحد من أجزائه، وبانتفاء أحد أجزائه، واستدلالكم إنما يتم أن لو كان الإخبار حالة الجنون ليس بكذب مع بقاء أصل الخبرية، فأما إذا لم يكن كذبا لانتفاء أصل الخبرية فلا، فلم قلتم: أن الأمر هنا ليس كذلك؟ فإن عندنا يعتبر ذلك في التحديد، ومعلوم أن الإخبار حالة الجنون لا يوجد فيه القصد المعتبر فلا يكون كذبا، لانتفاء أصل الخبرية، فلا يكون في الآية دلالة على أن الخبر قد ينفك عن كونه صدقا وكذبا، فإن ذلك مشروط ببقاء أصل الخبرية وهو فيما ذكروه ممنوع.
وثانيهما: قوله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}.
ووجه الاستدلال به هو: أنه تعالى كذبهم من أن خبرهم كان مطابقا للمخبر عنه فلو كان الخبر الصدق عبارة عن الخبر المطابق للمخبر عنه كيف كان لما حسن تكذيبهم، ضرورة أنهم صادقون فيه، أما إذا جعل الصدق عبارة عن الخبر المطابق مع اعتقاد أنه مطابق حسن تكذيبهم؛ لأنهم ما كانوا يعتقدون مطابقة بل كانوا يعتقدون عدم مطابقته.