وقد طعن فيهم قدما القدرية، والخوارج، وبالغوا فيه على ما هي كتبهم شاهدة بذلك، وتلك المطاعن كلها مروية بالآحاد غير مشتملة على شرائط القبول، وبتقدير صحتها فهي لا تعارض الكتاب والسنة المشهورة.
وأما ما جرى بينهم من القتال والفتن فهو غير قادح في عدالتهم؛ لأنه كان بناء على الاجتهاد والتأويل، [وحينئذ إما أن يقال: إن كل مجتهد مصيب أو المصيب واحد والباقي مخطئ في اجتهاده] وعلى التقديرين فهو غير قادح فيها؛ لأن ما اختلفوا فيه إن جعل من مسائل الاجتهاد فظاهر: لأنه حينئذ إن قلنا: إن كل مجتهد مصيب فظاهر، وإن قلنا: المصيب واحد والباقي مخطئ فكذلك؛ لأنه حينئذ معذور غير آثم، فلا يخرجه خطأه عن العدالة.
وأما إذا لم يجعل ما اختلفوا فيه من مسائل الاجتهاد بل نجعل قتلة عثمان، والذين خرجوا على علي - رضي الله عنهما - مخطئين قطعا فكذلك؛ لأنهم جهلوا خطاهم وفسقهم، وقد سبق أن الفاسق الذي لا يعلم فسقه لا ترد روايته به سواء كان كونه فسقا قطعا أو ظنا فلا يكون ذلك قادحا في عدالتهم، وهذا أقرب من حيث إنه جمع بين الدليلين، وأنه حسن الظن بهم، وأنه إتباع لمذهب السلف.