وثانيها: أن الدليل ينفي جواز العمل بخبر الواحد لكونه لا يفيد إلا الظن، وقد قال تعالى:{إن الظن لا يغني من الحق شيئا} ترك العمل به في خبر العدلين، لكون الظن فيه أقوى فيبقى ما عداه على الأصل.
وجوابه: ما تقدم غيره مرة.
وثالثها: قياس الرواية على الشهادة، بل أولى؛ لأن الرواية تقتضي شرعا عاما، بخلاف الشهادة فإنه لا تقتضي ذلك، فإذا لم يقبل خبر الواحد في حق الواحد، فلأن لا يقبل في حق المكلفين بأسرهم بطريق الأولى.
وجوابه: النقض بالحرية، فإنها معتبرة في الشهادة، غير معتبرة في الرواية وفاقا.
فإن قلت: ذاك لأن الشهادة منصب فلا يليق بالعبد.
قلت: المنصب في الرواية أكثر، والعلم بذلك ضروري بعد الاستقراء، وبالذكورة والبصر؛ فإنه يعتبر في الشهادة دون الرواية؛ إذ الصحابة كانت تروي عن عائشة - رضي الله عنهم - مع أنهم بالنسبة إليها كالعميان، لما أنها من وراء الحجاب.
وباشتراط عدم القرابة والعداوة فإنه يشترط في الشهادة، ولا يشترط في الرواية، فإنه يجوز أن يروي الولد عن الوالد، ويروي له، وبالعكس ويجوز أن يروي العدو عن العدو ويروي له.
فإن قلت: ذاك إنما كان لدفع التهمة، وتحققهما في الرواية لا يوجب تهمة؛ لأن حكم الرواية عام، لا يختص بشخص دون شخص حتى تؤثر فيه العداوة والقرابة فيشترط عدمهما.
قلت: الرواية عن الشخص إثبات منصب له، فكان ينبغي أن لا يجوز للولد أن يروي عن والده لكونه متهما في إثبات هذا المنصب له كما لا يجوز أن يشهد له وكذا بالعكس.