الجانب الآخر من الكمية، فكان ينبغي أن يكون الأمر فيه موكولا إلى نظر المجتهد كما قاله أبو الحسين البصري، من أنه في محل الاجتهاد، فإن ظهر رجحان أمارة عدالة الراوي ترجح الخبر وإلا فيتعارضان، أو يرجح القياس؛ لأنا نقول: لو خلينا والعقل لكان الأمر كما ذكرتم، في حديث معاذ، ولو كان ما ذكرتم من التفصيل جار في لبينه الرسول، وإلا لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، فإن ذلك الوقت كان وقت الحاجة إليه وهو ممتنع والصحابة كانوا يرجعون إلى الخبر من غير بحث عن أمارة القياس، وعن أمارة عدالة الراوي، ولو كان التفصيل / (١٠٢/أ) المذكور هو الحق لما جاز ذلك إلا بعد البحث عنه هذا ما قيل.
وفيه نظر؛ من حيث إن النظر في الخبر إنما هو في المقدمة الظنية، فإن المقدمتين الباقيتين قطعيتان ليستا في محل الاجتهاد والنظر، وإذا كان كذلك فالنظر فيه إنما هو في عدالة الراوي، وأمارة صدقه، وذلك كان في الصحابة ظاهرا في غاية القوة لا سيما بالنسبة إليهم قبل ظهور الفتن فيما بينهم، فجاز أن يقال: إنهم [إنما] كانوا يتركون القياس لكون أمارة صدق الخبر ظاهرة جلية عندهم فلم يكن ذلك مانعا من التفصيل المذكور وهو بعينه آت في حديث معاذ من حيث إنه - عليه السلام - كان يعلم أنه ما كان تصل إليه السنة إلا منه شفاها، أو من الصحابة، فعلى الأول ثبوته عن الرسول يقيني، وعلى الثاني ظني، لكن الظني قوي، فلم يكن ذلك الوقت وقت الحاجة إلى التفصيل فلم يجب البيان فيه.