وثالثها: أنه لا يطلق على القائس أنه معتبر بل يصح نفيه عنه إذا لم يكن متعظًا ومتفكرًا في أمر معاده فيقال: إنه قائس غير معتبر، ولا يصح ذلك في المتعظ الغير القائس في الفروع، وذلك يدل على أنه حقيقة في الاتعاظ دون مجرد المجاوزة والانتقال، فإن صحة النفي دليل التجوز على ما تقدم، وإذا كان حقيقة في الاتعاظ وجب أن لا يكون حقيقة في المجاوزة والانتقال فقط قطعًا بل يلزم أن لا يكون حقيقة فيه أصلًا، وإلا لزم الاشتراك وأنه خلاف الأصل لما ذكرتم.
سلمنا أنه حقيقة فيه لكن إنما يحمل اللفظ على حقيقته إذا لم يوجد قرينة صارفة عنها، فأما بتقدير وجود القرينة فلا، وقد وجدت القرينة الصارفة فيما نحن فيه وهي سياق الآية فإن قوله تعالى:{يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين} يمنع من حمل قوله: (فاعتبروا) على القياس لعدم حسن ترتيبه عليه؛ إذ لا يحسن أن يقال:"يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين" فقيسوا في الفروع، وإذا لم يحمل على حقيقته حمل على مجازه وهو الاتعاظ إما لتعينه، أو لأنه يحسن ترتيبه عليه فيحمل عليه إلى أن يظهر له معارض.
سلمنا عدم القرينة الصارفة عن الحقيقة إلى المجاز بل هو محمول على حقيقته، لكن لا نسلم أنه يلزم منه كون القياس الشرعي مأمورًا به وإن وجد فيه معنى المجاوزة والانتقال؛ وهذا لأن مطلق المجاوزة والانتقال قدر مشترك بين القياس الشرعي، والقياس العقلي، وبين الاستدلال بالنص على مدلوله؛