وأما الوجه الثاني وهو تسمية أصحاب القياس بأصحاب الرأي فلا يدل أيضًا على أن الرأي في أصل وضعه للقياس؛ لاحتمال أن يكون ذلك للعرف الطارئ إما خاصًا أو عامًا.
سلمنا دلالة ما ذكرتم على أن الرأي هو القياس لكن عندنا ما يدل على أنه ليس في أصل وضعه للقياس، وهو: أن الرأي مصدر قولهم رأي يرى رؤية [وذلك] يدل على أن الرأي بمعنى الرؤية، فلو كان حقيقة في القياس أيضًا لزم الاشتراك وأنه خلاف الأصل.
وإذا ثبت أنه في أصل وضعه ليس للقياس وجب أن لا يكون له بطريق النقل أيضًا؛ لأنه خلاف الأصل، ولأن قولنا:"فلان يرى" لا يفيد أنه يقيس؛ بدليل أنه يصح استعماله فيما يعتقده الإنسان من مدلولات النص، ودليل العقل؛ إذ يصح أن يقال: فلان يرى عدم جواز بيع الرطب بالتمر، ويرى جريان الربا في الأشياء الستة مع أن هذين الحكمين مدلولا النص، وإذا كان قولنا: يرى لا يفيد ذلك مع أنه مشتق منه وجب أن لا يفيد هو أيضًا ذلك؛ لأن المشتق لا بد وأن يدل على ما دل عليه المشتق منه.
سلمنا دلالة ما ذكرتم عليه لكن دلالة ظنية، أو قطعية؟ والأول مسلم لكنها لا تفيد، والثاني ممنوع.