أما الأول فالدليل عليه: أنا نعلم بالضرورة من اللغة أن قوله: "حرمت الخمر لكونها مسكرة" غير موضوع لتحريم كل سكر بل هو موضوع لتحريم الخمر لعلة كونها مسكرة وحرمة ما عدا الخمر من المسكرات ليس جزءًا من هذا المفهوم، والعلم بذلك أيضًا ضروري، وإذا كان كذلك وجب أن لا تكون دلالته على تحريم كل مسكر لفظية، ضرورة أن الدلالة اللفظية منحصرة في هذين النوعين على رأى، وفي الدلالة المطابقية على رأي.
والذي يؤكده: أن الرجل إذا قال: أعتقت غانمًا لسواده وله عبيد أخر سود، فإنهم لا يعتقون عليه وفاقًا، ولو كانت دلالته لفظية قائمة مقام قوله: أعتقت كل عبيدي السود لما كان كذلك بل كانوا يعتقون عليه من غير اعتبار نية ولا علم بقصده.
وأما الثاني: فلأن قوله: "حرمت الخمر لكونها مسكرة" يحتمل أن تكون علة حرمته مطلق الإسكار، ويحتمل أن تكون إسكارها؛ وهذا لأن لله تعالى أن يجعل إسكار الخمر لخصوصيته علة التحريم؟ إما لأنه تعالى [علم فيه مفسدة لا توجد في غيره، أو وإن لم يكن كذلك لكن لله أن يجعله علة بالتحريم] ويكون فائدة ذكر العلة زوال التحريم عند زوال الإسكار، وإذا احتمل واحتمل لم يجز التعبد به إلا بأمر مستأنف بالقياس.
فإن قيل: نحن لا ننازعكم أن قوله: حرمت الخمر لكونها مسكرة غير موضوع في أصل اللغة لتحريم كل سكر لكن لم لا يجوز أن يقال: أنه منقول في عرف الاستعمال إلى تحريم كل مسكر.