وكذا قولهم:"لا يملك حبة" يفيد أنه لا يملك ما زاد عليها لكونها موجودة فيما زاد عليها فأما فيما دونها فلا نسلم أنه يفيد نفي ما ملكه عنه.
سلمناه لكن النقل العرفي خلاف الأصل فيقتصر في محل الضرورة ولا ضرورة في أمثالهما فلا يجوز الحكم بذلك فيها.
واحتج الباقون بوجوه:
أحدها: لو كانت دلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب من جهة اللفظ لوجب أن لا يفتقر في معرفة ذلك إلى معرفة ما هو المقصود من الكلام، وما لأجله سيق إليه من تعظيم الأبوين، وكف أنواع الأذى عنهم كما في سائر الدلالة اللفظية، ولما لم يكن كذلك بل يحكم بتحريمه إجماعًا إلا بعد معرفة ذلك علمنا أنه غير مستفاد من جهة اللفظ.
وثانيها: أنه لو كانت دلالته لفظية لما حسن من الملك أن ينهي الجلاد وعبيده وخدمه عن التأفيف وصفع والده الذي نازعه في الملك ويأمرهم بقتله [كما] لا يحسن منه أن يأمرهم بقتله ثم ينهاهم عنه، ولما حسن ذلك باتفاق العقلاء علمنا أنه لا يدل عليه من جهة اللفظ.
وثالثها: أنه لو كانت دلالته عليه لفظية فإما أن يدل عليه بحسب الوضع اللغوي، وهو باطل؛ لأنا نعلم بالضرورة أن التأفيف غير موضوع بالضرب، ولا لمفهوم يكون الضرب جزءًا منه فلم يكن المنع منه منعًا عن الضرب بحسب الوضع اللغوي، أو بحسب الوضع العرفي/ (١٥٢/ أ) وهو أيضًا باطل؛ لأن النقل العرفي خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا عند قيام الدلالة عليه والأصل