ورابعها: ما شرع من الأحكام ابتداء من غير أن يقتطع عن أصول أخر، وهي معقولة المعنى لكنها عديمة النظير، وذلك بأن لا يكون له نظير خارج عما يتناوله الدليل الدال على تلك الأحكام فلا يقاس عليها لتعذر الفرع الذي هو ركن من أركان القياس، وتسمية هذا بالخارج بعيد جدًا.
مثاله: رخصة القصر لعذر السفر فإنه معلل بالمشقة المخصوصة وهي غير حاصلة في حق غير المسافر الذي تناوله النص فقط لا غير إذ لا يمكن إنكار أصل تعليله، فإن المشقة مناسبة ظاهرة لذلك الحكم، ولا يمكن تعليله بمطلق المشقة، وإلا لوجب ثبوته في حق المريض فلم يبق إلا تعليله بالمشقة المخصوصة التي هي غير حاصلة في حق الغير.
ونحوه أيضًا: رخصة المسح على الخفين، فإنه معلل بمسيس الحاجة إلي استصحابه، وعسر نزعه في كل وقت لا يمكن إنكار ذلك، ولكن لا يساويه في هذا المعنى شيء مما يشبهه من بعض الوجوه كالعمامة والقفازين، وما لا يستر جميع القدم، فلذلك لم يجز قياس شيء منها عليه.
ومنه شرعية القسامة، فإنه معلل بشرف الدم، ولا يوجد ذلك في غيره، فالحاصل أن تعذر القياس في هذا النوع لتعذر الفرع، لا لكونه خارجًا عن القياس لا بمعنى أنه غير معقول المعنى، ولا بمعنى انه مقتطع عن أصول أخر، وعند هذا ظهر خطأ قول من يقول من الفقهاء: إن توقيت الإجازة مثلا خارج عن قياس الأصول، كالبيع والنكاح، لأنه ليس جعل أحدهما أصلًا والآخر خارجًا عنه أولى من العكس، بل كل واحد منها أصل بنفسه لا نظير له.