فإن قلت: لأن العلم بالعلة علة العلم بالمعلول فكل شيء لا يستلزم العلم به بشيء آخر لا يكون ذلك الشيء علة له.
قلت: في هذا نظر عرف في موضعه.
وثانيها: الدوران الخارجي وقد عرفت فيما تقدم انه لا يفيد إلا الظن.
وثالثها: التقسيم المنتشر، فإذا قيل لهم لم لا يجوز أن تكون العلة أمرًا آخر غير ما ذكرتم؟
قالوا: اجتهدنا في طلبه وبالغنا في فحصه فما وجدناه، وعدم الوجدان بعد البحث الشديد والفحص البليغ يدل على عدم الوجود كالمبصر إذا طلب شيئًا في الدار ونظر إلى جميع جوانبها في النهار فلم يجده فإنه يقطع بعدم وجوده فيها.
وهذا ضعيف جدًا؛ أما أولًا: فلأن عدم الوحدان لا يدل على العدم إذ رب موجود ما وجدناه بعد البحث والاستقصاء التام.
والقياس على الصورة المذكورة قياس من غير جامع وبتقدير تحققه فهو إثبات للقياس بالقياس وهو باطل، وبتقدير صحته فالفرق ظاهر جدًا وهو أن جوانب الدار محصورة مضبوطة فإذا طلب فيها مع الإمعان فلم يجده فربما يقطع بعدم الوجود بخلاف نظر العقل فإنه في غير محصور ومضبوط فلا يحصل له القطع بعدم الوجود.
فإن قلت: فالمسألة المنظور فيها أيضًا محصورة مضبوطة؟
قلت: ما لها من الصفات الصالحة للعلية غير محصورة ولا مضبوطة فلم يفد ضبط أصل المسألة.