ومقدم عليها، واستقراء الشريعة يدل عليه أيضًا، ويلزم من هذا أن لا يجوز العمل بمناسبة المصلحة المعارضة بمناسبة المفسدة المساوية أو الراجحة لئلا يلزم ترك الأهم والعمل بالمهم أو التسوية بينهما.
ورابعها: القياس على الدليل، فإنه إذا عارضه دليل آخر راجح أو مساوٍ له في صحة المتن والدلالة فإنه وإن لم تبطل دلالته لكن لا يجوز العمل به ولو بوجه ما فكذا ها هنا والجامع عدم إفادة الظن بمقتضاه.
واحتجوا بوجوه:
أحدهما: أن المناسبتين المتعارضتين إن كانت متساويتين لم يكن إبطال أحدهما بالأخرى أولى من العكس، فأما أن يبطل كل واحد منهما بالآخر وهو محال؛ لأن علة بطلان كل واحد منهما حينئذ إنما هو وجود الآخر، والعلة مع المعلول، فلو بطل كل واحد منهما بالآخر لزم أن يكون وجود كل واحد منهما مع بطلان الآخر فيلزم أن يكونا موجودين حال كونهما معدومين وهو محال، أو لا يبطل واحد منهما بالآخر حال التعارض وهو المطلوب.
وإن كانت إحداهما أرجح من الأخرى فها هنا لا يلزم التفاسد أيضًا؛ لأنه لو لزم ذلك لزم أن يكون بينهما منافاة فإن [الشيء إذا لم يكن منافيًا للشيء لم يلزم من حصوله انعدام ذلك الشيء لكن لا منافاة] بينما لما بينا جواز اجتماعهما في القسم الأول، وحينئذ لم يلزم اندفاع إحداهما بالأخرى.
ولأن الراجحة إذا عارضت المرجوحة ونفتها، فإما أن ينتفي منها شيء لأجل معارضة المرجوحة أو لا ينتفي والقسمان باطلان فبطل التعارض.